لكل قصة مهما كانت روعتها جانب مظلم، ولكل يوم جميل غروب أكيد وهناك دائما نهاية لكل بداية. وبالطبع نحن كتلك القصص مهما أشرقنا لا بد أن نظلم أحيانا، فلا معنى لشروقنا دون مغيب، ولا شك أن ألطف ما فينا هو اختلاط ألواننا الساطعة والمظلمة في انسجام فريد، كذلك الذي ينقش السماء كل يوم عند مغيب شمسها، فنرى خطوطا وردية وحمراء وأرجوانية وبرتقالية تتراقص كفتيات حالمات لا يهمهن شيء سوى تدفق أجسادهن داخل نهر الموسيقى الشهي.
إن ما يجعل الأشخاص الذين نحبهم جديرين بحبنا لهم، ليس أبدا مثاليتهم ولا روعتهم ولا قدسيتهم، وإنما بشريتهم البسيطة التي تسمح لهم بالخطأ والصواب، بالضعف والقوة، بالغضب والعفو، بالقسوة والرقة، بالسماجة والدماثة. تماما مثلنا، فنرى فيهم أنفسنا ونتقبلهم كما نتقبل أنفسنا بالضبط. مدركين جيدا أن المثالية لا وجود لها، كما أن مدعوها هم أكثر أناس بعدا عنها.
قد يتحرى أحدهم في شريك حياته توفر جميع المزايا والخصال، وتحليه بكل المبادئ القيمة وثباته عليها إلى يوم يبعثون، يتمناه طيبا هينا، لينا جميلا، وديعا حنونا، كريما متفهما، مستمعا مبتسما ناصحا، مسامحا وحليما.. لا يغضب، لا يحزن، لا يبتئس، لا يمل ولا يكل، لا ينزعج لا ينتقد لا يوبخ.. ملاك بجسد آدمي. رغبات سخيفة تناقض بشريتنا الهشة، التي تتأثر وتتفاعل وتتألم وتنزعج، فتجد زوجين ينتظر كل واحد من الآخر مثالية وقداسة لا توجد سوى في مخيهما الصغيرين، وتجد صداقات بحجم الجبال تتفتت لتراب هزيل بسبب سوء فهم أو حتى بسبب أخطاء صغيرة كانت أو كبيرة. فما الذي تمثله زلة بشرية كيفما كان سخفها أمام صداقة متينة أو أخوة عميقة، أو حب كان يوما بمثابة طوق نجاة؟
ما قد تلوم عليه الناس من حولك قد تقع في مثله وربما أكبر، وما تعيب عليه الآخرين ربما أنت غارق فيه إلى رأسك دون أن تحس، وهذا الفكر الملائكي الذي تحاكم الناس من خلاله لو وضعناك تحت رحمته لبدوت لنفسك إبليسا صغيرا، لأنك لست مثاليا وأخلاقك ليست دائما ممتازة، وحياتك ليست وردية ولا براقة مشعة بدون انقطاع، فأنت تخطئ أكثر مما تتكلم. وكلنا كذلك، نخطئ بكلمة في غير محلها، في تجاهل لا نقيم له وزنا، في نظرة قاسية نجلد بها من أمامنا، نخطئ في تسريب أسرار ليست لنا، في ادعاء باطل لا علم لنا به، في حشو جمل باتهامات مستفزة، في تحقير من نحسدهم لما هم فيه، نخطئ في تقديس أنفسنا ومنحنا أحقية تجريم الناس من خلال أخطائهم.
لا يمكن أن تستمر حياة بين اثنين أو ثلاثة أو أكثر، سواء كانت تربطهم أواصر الدم أو المحبة أو الصداقة أو حتى معرفة بسيطة، ما لم يتقبل كل منهم أخطاء الآخر ويتجاوزها تماما كما يفعل مع نفسه، ولا كان يمكن للحياة أبدا أن توجد لو توقع كل فرد كمال الآخرين ومثاليتهم. فهذا لا يوجد سوى في عالم أفلاطون الخيالي، أو على منابع الجنة التي لا تجف.