كل ما أبصرته وجوه، وجوه كأنها طوفانٌ من الظلال المتحركة. متداخلة، بنفس الحركات، بنفس الضحكات، وكأن السيل البشري ليس إلا مجرد عدد… بل نمط. رفعت صوتي ،صوت بداخلي دفعني إلى أن أقول شيئًا لا يليق بالسطحية، قولا خال من التملق، لا يُسلي، يطرق باب الوعي. وكعادة من يطالب بالتصحيح، قوبلت برفض ظهرت ملامحه من خلا مطالب بالتخفيف من وطأة حديثي، وأنِّي أعقّد الأمور. إنهم يريدون ما يُفهم بسرعة. وعن أي فهم يتحدثون.

مهلا لحظة، أنا لم أكن أبحث عن التصفيق، عقولهم صغيرة، كان أملي الوحيد من كل هذا أن أجد ارتداد الصدى داخل روح فرد واحد. واحد يكفي. أشرت في حديثي إلى تلك المساحة التي لا تسلط عليها العدسات ولا تظهرها الشاشات، عن الأفكار التي لا تُقتبس في 15 ثانية.

لكن صخب السيل البشري كان أعلى. دائمًا أعلى. ضنت أنَّ الصمت حليف الفهم، فإذا به يتآكل تحت وقع التكرار. تآمرت السطحية على كلمة الحق، لا عن حقد… بل عن جلبة عمدت إلى تهميشها. هي لا تسمع، فقط تغمر.

راودتني بعض الشكوك، على صحة قراري، هل اعتقدت حقا بأن الأمر بهذه السهولة، هل من البديهي أنَّ إدراك الحقيقة صعب إلى هذا الحد وأنا الجاهل الوحيد … أم أن السيل البشري يخشى أن يغرق إن نظر تحته؟

تغيرت نبرة صوتي، من الحدة إلى الهمس. وقد يبدو هذا اعلانا للهزيمة. لا، وألف لا. فمن يبحث عن الحقيقة، يُصغي ولو كان كل العالم ضدها. والبقية؟ لا بأس إن لم تطرق أذانهم… ربما يوماً… ربما حين يتعثر السيل البشري بأخطائه. أو أن هذا ما أحاول إقناع نفسي به.