العلاقات: ضوءٌ يتأرجحُ بين الحضورِ والغياب... ندخلُها كمن يُبحرُ في ليلٍ بلا خرائط، نحملُ في راحاتِنا شموسًا طريّة، ونمضي كأنَّ الأرضَ تُنبتُ تحتَ خطانا جناحين.
نحسبُ أنَّ الحبَّ وطنٌ، لكنَّ الأوطانَ لا تُبنى بالندى وحده، بل تحتاجُ إلى حصى الصبرِ ودمِ العناء.
فَهَل نَحنُ مُستعدّونَ لِزرعِهَا فِي تُربةِ الحَقيقة؟
الحبُّ ليسَ وُعودًا، بَل اختبارٌ لِصَبرِ القُلوب... هُوَ بذرةٌ تبحثُ عن يدٍ تُنبتُ في جُرحِها سماءً، عن صبرٍ يرى في الظلِّ وعدًا بالنور، عن قلبٍ يقرأُ الجذورَ قبلَ أن يُفتَنَ بالأغصان.
كلُّنا جُرحٌ يمشي على قدمين، نحملُ في جيوبِنا حكاياتٍ كالرصاص، ونُخفي تحتَ القميصِ ندوبًا تُشبهُ كواكبَ انطفأتْ قبلَ أن يصلَ ضوؤُها إلينا.
فَكَم مِنْ حُبٍّ خُذِلَ؛ لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبلَ أَوانِهِ؟
المرايا تَعكِسُنا، وَلكنَّها لا تَحملُنا... نُحبُّ الآخرَ كمرآةٍ تُعيدُ إلينا وجوهَنا الضائعة، لكنَّ المرايا، أحيانًا، تكسرُ ما لا نستطيعُ حملَهُ من أنفسِنا.
الخلافاتُ ليست نهايةً، بل صدى لأسئلةٍ عالقةٍ في الفراغ، كلماتُنا تائهةٌ بين البوحِ والاختناق، كالأمواجِ التي تعلَّمتْ أن تحملَ الغرقَ في صدرِها.
فَهَل يَكفِي أَن نَنظُرَ فِي العُيُونِ لِنَفهَمَ كُلَّ مَا لا يُقال؟
الحبُّ مُحيطٌ، وَكُلُّ مَوجَةٍ فِيهِ تُخفي أَعمَقَ مِن ظَاهِرِهَا... هُوَ بحرٌ يُبدّلُ وجهَه كلَّ ليلة، يعلو فيُغرقُنا بمدِّهِ العاتي، ثم يهدأُ ليكشفَ كم من القشورِ نمتْ على السفنِ الغارقة.
ليس الذبولُ انكسارًا، بل بصمةُ الزمنِ على جبينِ الأشياء، فالنارُ التي لا تهدأُ تحرقُ نفسَها قبلَ غيرِها، والوردةُ التي تتشبَّثُ بالشتاءِ تذبلُ من تلقاءِ ذاتها.
فَمَاذَا لَو كَانَ السُّقُوطُ فِي أَعْماقِهِ هُوَ نَفسُهُ طَريقًا إِلَى النُّور؟
التَّمسُّكُ المُفرِطُ قَيْد، وَالتَّرْكُ المُطلَقُ ضَيَاع... لا تحاولْ أن تُمسكَ النهرَ بين يديكَ، فالغَيْرةُ ظلٌّ يطولُ حتى يُخنقَ النورَ الذي يحميه.
الحبُّ رقصةُ نجمَينِ في فضاءٍ واحد، كلٌّ منهما يُشرقُ دون أن يسرقَ ضوءَ الآخر.
اجعلْ للحبِّ جذورًا في أرضِ الواقع، وأجنحةً في فضاءِ الأحلام، ولا تُحوِّلهُ إلى معبدٍ تُقدِّمُ فيه ذاتَك قربانًا، بل إلى نبعٍ يروي دون أن يمتلك.
فَهَل يَكفِي أَنْ نَثِقَ بِالطَّريقِ دُونَ أَنْ نَحُدَّدَ نِهَايَتَه؟
لَيْسَ كُلُّ اقْتِرَابٍ سَكِينَة، وَلا كُلُّ بُعْدٍ فَقْد... الغيابُ قد يكونُ بابًا، والقُربُ قد يكونُ قفصًا، فالحبُّ ليس امتلاكًا، بل هو لحظةُ سكونٍ تسمعُ فيها موسيقى لم تُكتَب بعد.
وأحيانًا، يكونُ الرحيلُ هو القصيدةُ التي لم نستطعْ كتابتَها، ليس هروبًا، بل شجاعةُ الاعترافِ بأنَّ بعضَ الجروحِ لا تُخاطُ، وأنَّ بعضَ الحكاياتِ تحتاجُ إلى مسافةٍ كي نراها بوضوح.
فَمَاذَا لَو كَانَ الغِيَابُ أَحْيَانًا أَكثَرَ حُبًّا مِنَ الحُضُور؟
العلاقاتُ مَرَافِئُ العُبُورِ، وَنَحنُ فِيهَا سُفُنٌ بِلَا مِرْسَى... لَيْسَت جنَّةً موعودة، ولا جحيمًا محتَّمًا، بل هي المسافةُ الهشَّةُ بين "أنا" و"أنت"، حيثُ يُولدُ حوارٌ صامتٌ بين الضمائر، وتُضاءُ الطرقاتُ بنورِ الاحتكاكِ بين الظلال.
قد لا نجدُ الحبَّ الذي حلمنا به، لكنّنا نجدُ أنفسَنا — مُعلَّقينَ بين السماءِ والأرض، نرقصُ على حبلٍ من ندى، ونضحكُ كالأطفالِ الذينَ اكتشفوا للتوِّ أنَّ السقوطَ جزءٌ من الطيرانِ.
فَهل نَحتاجُ إِلَى يَقِينٍ لِنَحبَّ، أَم أَنَّ الجَمالَ فِي رَقصِنَا عَلى حَافَّةِ المَجْهُول؟
ما رايكم؟ إنها جزء من شيء أحاول أن ألملمه، كمن يجمع شظايا ضوء متناثرة ليصوغ منها كيانًا يشبه كتابًا؟.
---------------****--------------
المحاولة الأولى لتحسين
العلاقات: بين الحضور والغياب
العلاقاتُ مساحاتٌ تتأرجحُ بين الضوءِ والظل، بين الامتدادِ والانكماش… ندخلُها كما يدخلُ المبحرُ ليلًا بلا خرائط، نحملُ في راحاتِنا شموسًا طريّة، ونمضي كأنَّ الأرضَ تُنبتُ تحتَ خطانا جناحين.
نحسبُ أنَّ الحبَّ وطن، لكن الأوطان لا تُبنى بالندى وحده، بل تحتاجُ إلى حصى الصبرِ ووهجِ التجربة.
فهل نحن مستعدّونَ لزرعِه في تُربةِ الحقيقة؟
الحبُّ ليس وعدًا مُعلقًا في الهواء، بل اختبارٌ لطاقة القلب على الثبات… بذرةٌ تحتاجُ إلى تربةٍ تتسع لها، إلى صبرٍ يرى في الظلِّ إمكانية النور، إلى وعيٍ ينفذُ إلى الجذورِ قبل أن يُفتنَ بما فوقها.
كلّنا يحملُ أثرَ مسيرته، نُخفي تحتَ القمصانِ ندوبًا تشبهُ نجومًا انطفأتْ قبل أن يصلَ ضوؤُها، ونسيرُ بجيوبٍ مليئةٍ بحكاياتٍ ثقيلة.
فكم من حبٍّ خُذِل لأنه وُلِدَ قبل أوانه؟
المرايا تعكسُ صورَنا، لكنها لا تحملُ جوهرَنا… نبحثُ في الآخرِ عن انعكاسٍ لنا، لكنَّ المرايا، أحيانًا، تُظهرُ ما لا نريدُ أن نراه، وتكسرُ ما نعجزُ عن حملِه.
الخلافاتُ ليست دائمًا نهاية، بل قد تكون صدى لأسئلةٍ لم تُحسَم… الكلماتُ تائهةٌ بين البوحِ والصمت، كالأمواجِ التي تعلَّمتْ أن تخفي الغرقَ في جوفِها.
فهل تكفي النظراتُ وحدها لفهم ما لا يُقال؟
الحبُّ بحرٌ، وما يبدو على سطحِه ليس سوى ظلٍّ لأعماقه… هو مدٌّ لا يستقرّ، يعلو حتى يغمر، ثم يهدأ ليكشفَ ما استقرَّ في القاع.
ليس الذبولُ انكسارًا، بل ممرٌّ لمرحلةٍ جديدة… النارُ التي لا تهدأُ تحرقُ نفسَها قبل غيرِها، والوردةُ التي تتشبّثُ بفصلٍ واحد تذبلُ رغم كلّ محاولاتها للبقاء.
فماذا لو كان السقوطُ هو ذاتهُ طريقًا آخر إلى النور؟
التمسّكُ المفرطُ قيد، والتركُ المطلقُ ضياع… لا تُحاول أن تُمسكَ الماءَ بقبضتك، فالغَيرةُ ظلٌّ يتمدّدُ حتى يخنقَ ما أرادَ حمايتَه.
الحبُّ توازنٌ بين حضورين، لا أحدُهما يبتلعُ الآخر، ولا أحدُهما يذوبُ فيه.
امنحْ الحبَّ جذورًا في الواقع، وأجنحةً في الأفق، لكن لا تجعلهُ معبدًا تُقدّمُ فيه ذاتَك قربانًا، بل نهرًا يتجدّدُ دون أن يتحوّل إلى قيد.
فهل يكفي أن نثقَ بالطريق دون أن نعرفَ نهايتَه؟
ليس كلُّ اقترابٍ طمأنينة، ولا كلُّ بُعدٍ خسارة… الغيابُ أحيانًا مساحةٌ للتأمل، والقُربُ قد يكونُ جدارًا يضيقُ حتى يُطبقَ على الروح. الحبُّ ليس امتلاكًا، بل هو لحظةُ سكونٍ نسمعُ فيها ما لم يُقل.
وأحيانًا، يكونُ الرحيلُ اعترافًا بأنَّ بعضَ الطرقِ لا تُفضي إلى مكان، وأنَّ بعضَ الحكاياتِ تحتاجُ إلى مسافةٍ كي نراها بوضوح.
فهل يمكنُ للغيابِ أن يكونَ أصدقَ من الحضور؟
العلاقاتُ مرافئُ عبور، ونحنُ فيها مسافرون… ليست جنّةً موعودة، ولا منفى محتّمًا، بل مسافةٌ بين "أنا" و"أنت"، حيثُ يولدُ حوارٌ بين ظلالِ المعنى، وتكشفُ الاحتكاكاتُ حقيقةَ الأشياء.
قد لا نجدُ الحبَّ الذي تصورناه، لكننا نجدُ أنفسَنا — معلّقين بين الأرضِ والسماء، نسيرُ على خيطٍ من ضوء، ونضحكُ كمن أدركَ أخيرًا أن السقوطَ جزءٌ من الطيران.
فهل يحتاجُ الحبُّ إلى يقين، أم أنَّ جمالَهُ يكمنُ في السيرِ على حافّة المجهول؟
----------------******-----------------
المحاولة الثانية
العلاقاتُ: مسافةٌ بين ضفتين، تَرتحلُ بنا بين التيارِ والسكون…
نَدخُلُها كمَن يُبحرُ بلا خرائط، نُمسِكُ بظلالِ الكلماتِ أكثرَ ممّا نُمسِكُ بحقيقتِها. نزرعُ الوهمَ كما نزرعُ الأمل، وننسى أنَّ الجذورَ لا تنموُ في تربةٍ رخوة. الحبُّ ليس ملاذًا لمن يخشى العاصفة، وليس وعدًا بالوصول، بل تجربةٌ تتشكَّل بين الخطوِ والتراجع، بين البناءِ والانهيار.
نُخطِئ حين نُعاملهُ كيقينٍ ثابت، فلا الحبُّ معادلةٌ دقيقة، ولا العلاقاتُ مساحاتٌ مضمونةُ الملامح. إنما هي أمواجٌ تأخذُ شكلَ الريحِ أحيانًا، وشكلَ الصخرةِ أحيانًا أخرى. ليس ضعفًا أن تهدأ العواصف، ولا دليلَ خيانةٍ أن تتبدّلَ الفصول. بل لعلَّ جوهرَ العلاقاتِ في هذا التغيّر، في أن تظلَّ قادرةً على التجدّدِ دون أن تفقدَ هويتها.
الصمتُ ليس غيابًا، بل لغةٌ تتحدثُ حين تفشلُ الكلمات. قد يكونُ حضورًا أعمقَ من الضجيج، أو فراغًا يبتلعُ ما لم يُقال. الخلافُ ليس دائمًا انكسارًا، بل كشفٌ لمناطقَ لم نرها من قبل، سؤالٌ عن التقاءِ مسارين أو افتراقِهما.
الحبُّ ليس امتلاكًا، بل عبورٌ بين الحضورِ والغياب.
قد يكونُ مدًّا يجرفُ معهُ كلَّ يقين، وقد يكونُ ميناءً لمن تعبَ من التيه. لكنّهُ لا يكونُ سجنًا، ولا يتحوَّلُ إلى معبدٍ تُقدَّمُ فيه الذاتُ قربانًا. إنّما هو مساحةٌ تُتركُ فيها الأبوابُ مواربة، حتى لا يصيرَ البقاءُ قيدًا، ولا يكونَ الرحيلُ هروبًا.
نخشى الفقدَ كأنَّ العلاقاتِ تُقاسُ بطولِ عمرِها، لا بعمقِ أثرِها. لكن ماذا لو كان الرحيلُ في بعضِ الأحيانِ أصدقَ من التمسك؟ ماذا لو كان الفراقُ اعترافًا بأنَّ بعض الطرقِ لا تلتقي، مهما حاولنا تغيير اتجاهِها؟
نحنُ لسنا أبطالَ الحكاياتِ المكتملة، ولا نمتلكُ جميعَ الإجابات. العلاقاتُ ليست يقينًا، بل رقصٌ على حافةِ الاحتمال، بين ما نظنُّهُ ثابتًا وما يَسيلُ من بين أيدينا. قد لا نجدُ الحبَّ الذي حلمنا به، لكنَّنا نجدُ أنفسَنا في الرحلة، مُتأرجحينَ بين التمسُّكِ والتخلّي، بين الاحتواءِ والمسافة.
فيا مَن يُفتّشُ عن يقينٍ في الحب، اِعلمْ أنَّ بعض الأسئلةِ لا تُجاب، وبعض الطرقِ لا تُرسمُ مسبقًا… وأنَّ الجمالَ ليس في الوصول، بل في أن تظلَّ مستعدًا لاحتمالاتِ الطريق.
التعليقات