يتزاحم الأطفال حول لعبة واحدة، وكأنها جوهرة نادرة تلمع في أعينهم البريئة، يرونها فحب التملك يظهر على السطح بالأمس كانوا أصدقاء أو حتى قبل خمس دقائق فقط فظهرت الفطرة القابيلية لأقتلن تلك البسمة التي ستظهر بسبب هذه اللعبة أنا أحق فيها كيف أنا أحق؟ ستعرف الان في ميدان المنتصر به هو القوي أو الداهية أو المحظوظ فقط أو المخدوع فقط أعطيك هذه اللعبة لتجد أنها أنفجرت بيدك وسبب صراعنا ماذا؟ لُعبة! أو لربما خدعتك أن هذا كل ما أطلب فلدي بدل لعبتك هذه التي رأيتها (كاملة) ألعاباً على مد النظر، العنف الذي ينبع من عمق الإنسان، تلك النزعة القديمة التي تحدث عنها هوبز، حرب الجميع ضد الجميع، تتشابك الأيدي الصغيرة نحو اللعبة، وكأنها مفتاح لعالم سحري، لا يُرى إلا في الأحلام، اللعبة تبدو بسيطة في شكلها،وفي بعض الحالات لو كان هناك لعبتين لملوا منها لكنها لعبة واحدة فظهر (التنافس البشري حول المكانة والمظهر والممتلكات والنفوذ) ، ليست مجرد قطعة بلاستيكية أو خشبية، بل هي رمز، رمز لما هو أعمق وأبعد من الظاهر، رمز لما لا تراه العين، لكنها تشعر به النفس بوضوح.

في ظاهرها، قد لا تحمل اللعبة ما يدعو للصراع، لكنها في أعين الأطفال جوهرة فريدة، إنها ليست مجرد لعبة عابرة، بل هي جزء من أحلامهم الصغيرة، تلك الرغبة العميقة في التميز، أن يكون أحدهم هو البطل الذي يملكها، كما قال نيتشه، إنها إرادة القوة، رغبتهم في السيطرة، في التفوق على الآخرين، هنا لا يتعلق الأمر فقط بالفوز بشيء مادي، بل بالشعور بأنهم يمتلكون ما لا يمتلكه الآخرون، تلك الرغبة في الهيمنة هي جزء من الفطرة البشرية، وكأن اللعبة هي تجسيد لهذا الصراع القديم بين الأنا والآخر.

الصراع يبدأ حينما يُرى الفعل المضاد كالشطرنج، لكل حركة حركة مضادة، تبدأ الهمسات خافتة، ثم تصاعد سريعاً إلى صراخ، أعطني هذه اللعبة، فهي حقي، الجميع يطالب باللعبة وكأنها الشيء الوحيد الذي يستحق القتال من أجله، وسط هذه الفوضى، تظهر الفلسفة، هل تستحق اللعبة كل هذا؟ من الخارج، قد تبدو اللعبة بلا قيمة، مجرد شيء عابر يمكن كسره بمطرقة، قد يبكي الأطفال لأنهم لم يحصلوا عليها، أو ربما سيرتاحون جميعاً لأن أحداً لم ينتصر، لم يخسر أحدهم وحده، لقد خسروا جميعاً.

ولكن الحقيقة أعمق، كما أشار هيغل، الصراع هو ما يحرك التاريخ، إنه الجدلية التي تحكم التطور، اللعبة تحمل في طياتها شيئًا أكبر، شيئًا لا يمكن لمسه باليد، لكنه يتردد في نفوس الأطفال، إنها رمز، رمز لأحلامهم الصغيرة، لطموحاتهم في أن يكونوا مميزين، هي تلك البوابة التي تفتح على عالم من الخيال، أو ربما هي حلم بعيد لا يمكنهم تحقيقه إلا من خلال هذه اللعبة. الأطفال لا يدركون ذلك، لكنهم يعيشون في عالم من الصراع المستمر، كل حركة تقابلها حركة مضادة، كما قال لاو تزو أن العنف هو البعد عن التناغم الطبيعي فهو يرى الأصل اللاعنف، لكنهم يعيشون في قلب الصراع يظلم الكل الكل ولسبيل اللاعنف لا أعتقد أن هذا ممكن بل أنه مستحيل الا ترى أنه حتى في الأطفال يظهر! ومنك وفيك علينا منع تحول الأرض الى غابة وحوش متمدنة كما يفعل الصهاينة في فلسطين والمجتمع الدولي ينظر إليهم كأنهم يقدمون للبشرية تقدماً وعلماً وتذرعوا بنظرية التطور حيث يبقى الجنس الأقوى والجين الاناني فوقفاً لهذه النظرية ظهر مرة أخرى مفهوم العنف وها هو تذرع الصهاينة والمجتمع الدولي فأخذوا نظرية التطور ككتاب مقدساً لا يمس الجين الأناني والعنف بطبيعة الحال ممكن جعله سبباً لعدم الهجوم كأن كل دول العالم لديها نووي فلن يهاجم أحدهم الأخر فالكل قوي ولكن يبقى القوي محاصراً في قوته عليه في كل ثانيه أن يكون قوياً ولكن هذا لن يحصل فهناك من سيعنفه رغم صغره قد يهاجمه فيروس فيمرضه وقد تهاجمه جلطة في سريان طرائق دمه فلا يصل الدم ولا الأكسجين للدماغ أو القلب فتنتصر الجلطة رغم أنه حاول التقوي ولكن هناك دائماً من هو أقوى ففكرة الجين الأناني بغض النظر عن صحتها فالعلم مرن وممكن التغير والتبدل لكنها تشير الى مفهوم العنف وأنه في الشر خير وأنه هو ما يعزز على البقاء أو يحاول أن يبقى في هذا العالم الجين الأناني هو مفهوم يعبر عن فكرة أن الجينات تسعى للبقاء والتكاثر من خلال التأثير على سلوك الكائنات الحية يظهر هذا في الواقع من خلال كيفية تطور سلوكيات معينة بين الكائنات الحية، مثل التعاون أو التنافس أو العنف الجينات التي تعزز بقاءها وانتشارها يمكن أن تدفع الكائنات الحية لتبني سلوكيات تبدو أنانية أو عدوانية لكنها في الحقيقة تساعد في تحقيق أهداف الجينات الجين الأناني يوضح كيف أن السلوكيات التي نراها في الكائنات الحية يمكن أن تكون نتيجة استراتيجيات تطورية تسعى لضمان بقاء الجينات عبر الأجيال، ومما ساعد البشرية على السلام والاستقرار بصورته هذه هي أنهم عرفوا رائحة الدم والبارود وأنه ثمن السلطة والنفوذ حروباً لا هوادة بها بدأ الأمر فقط بأغتيال ولي عهد النمسا فظهر العنف البشري في الحرب العالمية الأولى وسيظهر فنحن مثلاً عرباً ومسلمين نرى هؤلاء الصهاينة في قوتهم وجبروتهم كيف ستوقفهم أن لم تكون قوياً؟ لحرب القوي عليك أن تكون أقوى منه وأذكى منه وأفضل منه وتضعه أمام أمر الواقع وإلا (كش ملك) بل دمر وفنى وحرق رقعة الشطرنج هذه.

والأن لنعود للأطفال المتحاربين على لُعبتهم في لحظات هذا التقاتل، تتوقف العيون للحظة، وكأن الجميع يدرك أن اللعبة تحمل أكثر مما تُظهر، إنها ليست مجرد وسيلة للعب، بل هي ذلك الشيء الذي يضعهم في مركز القصة، يجعلهم يشعرون بأنهم مميزون، مختلفون، في هذه اللحظات يصبح الصراع مشروعًا، لأن اللعبة نفسها تستحق ذلك، كما قال ماركس، الصراع الطبقي هو جذر كل شيء، حتى هنا بين الأطفال، اللعبة هي السلطة، هي التميز الذي يسعى الجميع إليه.

اللعبة تستحق الصراع لأنها رمز لطموحاتهم، لحاجتهم للشعور بالسيطرة أو التفوق أو حتى للهروب من الملل، وربما لأنها تمثل ذلك الحلم الذي لا يمكن لأحد أن يمسكه إلا من يكافح من أجله، ولكن كما قال سارتر، الإنسان محكوم بأن يكون حرًا، وكل فعل هو محاولة لإثبات الوجود، إنها ليست مجرد لعبة، إنها الكنز الذي يُقاتل من أجله.

ولكن هذا الصراع لا ينتهي، لأننا في الحياة التطاحنية، وكما قال هيوم، العواطف هي التي تحرك الإنسان، وليس العقل، ومع أن الصراخ وعويل الحروب قد يعلو، والدموع قد تنهمر، فإن هذه اللعبة في نهاية المطاف ليست مجرد لعبة، إنها ذاك الأمل الذي يتشبثون به، تلك الفرصة لإثبات الذات في عالمهم الصغير، قد تكون في نظرنا تافهة، ولكن في عالمهم، هي الكنز الذي يُقاتل من أجله بلا تردد،فالعنف هو هو نفسه لكن صوره تتغير فليس فقط إلتحام الجنديين في العسكر ما بين مطلق نار وطاعناً بحربته ومفجراً بقنبلته اليدوية لا العنف هنا والآن حتى مع التطور التقني لن ينتهي إلا بضبط النفس وإلا سقط الأمن والقانون والسلام والأحلام والأستقرار والأخوة سقط كل شيء الحرب لا تقبل عليها بإرادتك محباً أقبل عليها لأنك مجبر عليها لكن لا تتقمصك الحروب فتصبح بيدقاً في حرب خاسرة فلا أحد سينتصر هنا للأبد الأمر أعقد مما يظهر.

في النهاية، الأمر هو أن عكس اللعب هو الجِد، أن تبدو لاعباً بينما أنت جاد، أو جاداً بينما أنت لاعب، بالتأكيد هناك من لو نافسته أو أنه قادم لمنافستك في الشطرنج أو الحياة سينهيك بكلمتي "كش ملك" ومن أقوى التنافس هو التنافس الذاتي فقط ينافس الأنسان نفسه فيؤذي نفسه فيخسر نفسه بنفسه الحرب حقيقة العنف واقع السبيل لتقليله هو التقوي ضده وليس التقوي معه، فلذا عليك أن تتقن قواعد اللعبة أو أن تكون خفيًا، لا سلام في ساحة الحرب، فوقت الهدوء هو نجاح العدو، الجواسيس في كل مكان، أوفياء بقوة في الظاهر، خونة بقوة في ساعة الصفر، من لهذه الحرب بلا خسائر؟ من سينتصر؟ لا أعلم ولكن قطعاً هناك منتصرون في حروب أخلاقية هي لدحض الحروب اللاأخلاقية.