الكثير من الناس ينتهجون أساليب ظالمة عمياء يسمونها ( المعاملة بالمثل ) .. و هذا النهج الإنتقامي يعتبر أسلوب أخرق و خاطئ و مكشوف حتى لو مورس بشكل سري سرعان ما تنبعث رائحته و هو لا يحقق أي نتائج إيجابية على أرض الواقع إذا مورس بشكل أعمى ليصيب أشخاصا أبرياء آخرين و هذا هو الوقوع بعينه في الفتنة و في فخ الجحيم و الظلم المبين .. لذلك أعتقد أن الأسلوب الأفضل و الأمثل هو الأسلوب التوجيهي الإصلاحي الذي يعطي لكل ذي حق حقه في كل جانب من جوانب الحياة سواء من الجانب المادي اللوجيستي أو من الجانب الفكري التعليمي أو من الجانب النفسي العاطفي .. فالإصلاح و التعليم و الإرشاد هي الحلول المثلى بخلاف ما يسمى بالمعاملة بالمثل أو العقلية الإنتقامية العمياء و الظالمة
التقليد الأعمى و المعاملة بالمثل تصرفات ظالمة احذر الوقوع فيها !!
لو قلنا أن هناك شخصاً زميل لك فى العمل أو فى الجامعة، ودائما ما تكونوا فى موضع إختيار أنت وهو بين شيئين مقدمان لكما، يختار هوا الأفضل، ويترك لك الأسوأ كيف لك أن تتعامل معه بالإسلوب التوجيهي الإصلاحي؟!
الأمر يعتمد على ( تحليل الموقف ) و رؤيته من كافة جوانبه .. إذا كان الموقف يعتمد فقط على سرعة الإختيار و كنت تظن و تعتبر أن الذي يسبقك في إختيار الأفضل هو شخص معادي لك فهذا يعتبر خلل في التفكير .. لأنك لو كنت مكانه ستختار الأفضل أيضا و تترك له الأسوأ حتى لو افترضنا جدلا أنك كنت من النوع الإنساني الإيثاري الذي يهتم لمصلحة زملائه و أصدقائه فإنه لا يمكنك أن تفترض أن جميع الآخرين ينبغي أن يكونوا إيثاريين و إنسانيين .. خاصة و أنك قلت أنه ( زميل فقط ) بمعنى أنه سيفضل نفسه بلا شك .. و بما أنه سبقك في الإختيار فإن الرؤية الإصلاحية في الموضوع تعتمد على تغيير ذهنيتك لكي تنظر إلى أن ذلك الزميل يعتبر بمثابة درس لك حتى تكون أنت أسرع في المرات القادمة و يمكنك حينها أن تكون أنت المتحكم و يحق لك أن لا تعامله بالمثل إذا كان الإنتقام ليس من شيمك و لا من أخلاقك ..
من ذكر السرعة لم أتطرق لها نهائياً، هوا شخص أنانى ويختار الأفضل ويترك لى الأسوأ، لو قلنا الشكرة تهدينا هديتين مرة أنا أستلمهم ومرة هوا يستلمهم، وهوا يستلمهم ويختار الأفضل ويترك لى الأسوأ، وأنا أستلمهم وأضعهم أمامى وأمامه ونتناقش أنا أخذ ماذا وهوا يأخذ ماذا بالإتفاق بيننا، وفى كل مرة أنا أجعله يختار ونتفق وهوا لايجعلنى أختار ونتفق دائما حينما يستلم الجائزتين يختار أفضلهما ويترك لى الأسوأ، كيف لى ألا أعامله بالمثل؟!
يمكنك أن تعامله بالمثل إن كنت تشعر و تثق في أن ذلك هو الخيار الصحيح لأجل رد اعتبارك و نيل حقوقك ، و لكن عليك أن تكون على وعي بأن تقليدك لأخلاقه لا يصنع لك أي بوصلة و أي سمعة أخلاقية خاصة بك عند الناظر المحايد اللهم إلا إذا كنت تثق في أن معاملتك بالمثل واعية و مدروسة و غير نابعة من تفكير انفعالي غير سليم و غير هادئ ..
شخصيًا لا أرى مشكلة في المعاملة بالمثل في الحياة العامة، ولكن هذا فقط في الأمور العادية اللي تتمثل في طريقة التعامل ولا أتحدث هنا عن رد الأذى بأذى مثله على الإطلاق، فالبعض لا يقدرون على تطبيق الإصلاح والتعليم كما ذكرت، فكل فرد يدرك أفعاله جيدًا ويتمتع بمستوى النضج الذي يؤهله للتعامل الإنساني الجيد مع غيره، فنحن لا نتحدث هنا عن أطفال أو تلاميذ مازالوا في مرحلة التعلم، وإنما عن أشخاص ناضجين على وعي بسلوكهم، وأعلم أن الأفضل من المعاملة بالمثل هو الصفح والعفو ولكن هناك بعض الأشخاص لا يستطيعون القيام بذلك ولا توجد مشكلة في هذا الأمر، إذ يقول الله تعالي بكتابه العزيز في سورة النحل: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين).
إذا كان الإصلاح يقتضي ( المعاملة بالمثل ) و التي تكون مدروسة جيدا و لا تؤدي إلى تداعيات و أضرار جانبية ذلك يعتبر تصرفا مطلوبا شرط أن يصيب الإنتقام الأهداف الفعلية الحقيقية و لا يؤدي إلى أي تداعيات جانبية .. أما إذا كانت هناك مساحة للعفو في نفس الإنسان فهذا أقرب للعقل و الصواب و الرشاد .. في سبيل أولئك الذين لا ذنب لهم .. و في سبيل الله و إعلاء راية الفضيلة و النبالة ..
من غير السواء و من غير العدل أن يعاقب المعلم جميع التلاميذ على ذنب تلميذ واحد .. و أن يعاقب صاحب السلطة جميع الناس على جريمة شخص واحد .. هذه عدالة مريضة تحتاج بدورها إلى عدالة صحية ..
المعاملة بالمثل أمر ضروري ليدرك الشخص ما تسببه تصرفاته لدى الآخرين وفي أحيان كثيرة يكون هو أفضل طريق للإصلاح الذي تتصوره ولا أدري لما حصرت الإصلاح في الأسلوب التوجيهي، وهذا المبدأ هو ما تقوم عليه جميع الفلسفات القانونية والتشريعات سواء الصحيح منها أو الباطل؛ فلماذا يتمسك الناس بالقيم الإيجابية إذا كان المحسن يحصل على نفس معاملة المسيء
إذا كان الذي يعامل بالمثل واعي بما يفعل و أيضا واعي بالتداعيات و العواقب التي قد تحصل بسبب المعاملة بالمثل و يثق ثقة عمياء في أنها الشيء العادل و الصائب و المنصف .. ليكن كذلك .. و لكنه إذا أخطأ في شيء عليه أن يكون مستعدا لتحمل العواقب .. لذلك قلنا أن الإنتقام غير المدروس شيء قد يشكل خطر على صاحبه .. لأن المنتقمين ليسوا كلهم ينتقمون بشكل انفعالي لحظي و هم مدركون لكل شيء ..
بالنسبة لي أرفض المعاملة بالمثل خصوصًا في المواقف الأخلاقية أو الظالمة وأميل إلى التعامل بأخلاقي الشخصية حتى لو عنى هذا التنازل عن الانتقام مثلًا ولكن يوجد نقطة يجب مناقشتها هنا وهي أن المعاملة بالمثل ليست مثل المعاملة بتناسب مع الموقف. فمثلًا لو تعامل شخصًا بلطف كبير ووجدت منه عدم ترحيب أو رتابة فبدأت تعامله بشكل أقل لطفًا فهذا لا يعني أنك تعامله بالمثل ولكنه يعني فقط أنك أدركت الحدود التي يضعها هذا الإنسان لعلاقتكما فرتبت نفسك لتتعامل في نفس المستوى.
وهكذا لو كنت دائمًا مثلًا تميل إلى مساعدة الأصدقاء ولكن هناك صديق وجدت أكثر من مرة أنه لا يهتم لمساعدتك لو كنت في نفس الموقف فبدأت تقلل من مساحة الدعم التي تعطيها له فهذا طبيعي حيث أن الإنسان له طاقة محدودة ويجب أن يبذلها فيمن يبادلونه المعاملة بالمثل في أغلب الوقت.
دوماً ما أنتهج في حياتي نهجاً فعالاً كثيراً، وهو أنني لا أعامل الناس بما يليق بهم، وإنما أعاملهم بما يليق بي.
فليس الأصل أن نرد الصاع بمثله أو نزيد عليه، وإنما أن نتعامل برقي فلا نتدنى إلى منزلة سفلى فقط لمحرد أن شخصاً يحاول أن يسحبنا إليها.
بالطبع في بعض الأحيان يستلزم الأمر رداً حازماً، ولكنه لا يكون من مبدأ المعاملة بالمثل، لإننا سندخل في دائرة لا نهاية لها، ونجد أننا جارينا من كنا عن غنى في مجاراتهم من البداية أصلاً، فربما يكون أشد عقابٍ للمسيء هو السكوت على إساءته وبذلك تقتله قتلاً، في حين أن ردك على إساءته ومعاملته بالمثل سيجعله منتعشاً.
ربما يكون أشد عقابٍ للمسيء هو السكوت على إساءته وبذلك تقتله قتلاً
هذا الكلام في حد ذاته يعتبر عند المسيء دليل واضح على أنك تمتلك نية في الرد و في الإنتقام و لو بالصمت و هو يستغرب منك أيضا كيف أنك لا تنتبه إلى كونك تنوي الرد و تنوي إلحاق الأذى و لو بشكل مغاير لطريقته .. أعتقد أن أفضل معاملة و أفضل رد على المسيئين هو السعي إلى فهم السبب و الدافع الحقيقي القابع وراء ما قاموا به و علينا أن نسألهم عن ماهية الأذى الذي لحق بهم و الذي دفعهم إلى ما قاموا به .. إذا فهمنا منهم نستطيع أن نتجنب الوقوع فيما يؤدي إلى التعدي على حقوقهم المشروعة لهم .. و بالتالي نتجنب الوقوع في الإساءة إليهم من غير قصد حتى لا يردوا علينا بإساءات مقصودة و التي هي إساءات سببها الجهل و الذي يقولون أنه ليس من مسؤوليتهم رغم أنهم يتحملون جزءا من المسؤولية في حالة ما إذا سئلوا عن شيء فيه منفعة لهم و لكنهم امتنعوا عن الجواب .. لأن الممتنع عن الجواب رغم امتلاكه الإجابة الصحيحة هو إنسان يكرس للأخطاء و التشوهات و مزيد من الضلالات ..
لقد لفت تعليقك انتباهي لهذا الأمر الذي كنت غافلاً عنه طيلة الوقت، أشكرك على هذه الإضافة.
ولكن دعني أطرح سؤالاً آخر، ماذا لو أنه كانت تصدر منه الإساءة لا لسببٍ إلا لإنه يريد أن يسيء، وكأنها طبيعة مركبة فيه، ألا يكون حينها السكوت هو الرادع له - غالباً- وينطبق عليه قول الشاعر:
اصبر على مضض الحسو ... د فإن صبرك قاتله.
فالنار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله.
؟!
إذا كان المسيء يتعمد الإساءة رغم وجود قدرة على الإمتناع في هذه الحالة يجب ردعه بما يستحق و يستوجب الموقف .. أما إذا كان الصمت هو المناسب في حالته لما لا .. فالهدف هو إصلاح تصرفات ذلك المسيء و ليس اعتبار إساءته كفرصة للإنتقام منه و افراغ جميع المكبوتات و الغضب عليه .. لأن المسيء يستطيع أن يشعر و يميز إذا ما كنت تنوي إصلاحه فعلا أو كنت تنوي عقابه و تفريغ غضبك عليه .. لأن أي شيء يصدر منا بوعي أو بغير وعي قابل للرصد و سنحاسب عليه .. لذلك يجب إيلاء اهتمام كبير بتجسيد العدالة الدقيقة في الحياة بعيدا عن تمرير الأحقاد التي تتحول إلى كارما تتناقلها الأجيال و يصبح كل جيل يلعن الجيل الذي سبقه ..
التعليقات