اصيص الشرفة

كل ساكني الأبراج الخرسانية لديهم أصيص طين في شرفات بيوتهم، يعتبرونه أرض التجارب التي يمارسون فيها نشاط الزراعة المؤقت، الذي لا تأتي بذوره إلا من الفاكهة التي يشترونها، بغية أن يحصدوا مثل ما أكلوا منها.

لكنهم لا يصلون إلى نفس جودة الفاكهة التي كانوا يتطلعون إليها، بل إن منهم من يتطلع إلى ضعف الحجم الطبيعي، دون تربة خصبة، ولا تسميد، ولا رعاية جيدة، ولا دراية بمواسم النبات وكيفية التعامل معه والحفاظ عليه من الآفات.

فدان الأرض

أما المزارع الذي يملك فداناً من الأرض على سبيل المثال، يعرف مصروفات هذا الفدان وإيراداته، ويعلم ما هي أنسب المزروعات لأرضه حسب كل موسم، ويقوم بتسميده، ويرش مبيدات الآفات فيه، وينفق على العمال والفلاحين الذين يعملون عليه، كل هذا من أجل موسم حصاده، الذي يحقق فيه الفلاح أرباحه، لكنه لا يفعل ذلك مرة واحدة، ثم يهمل الأرض بعدها، بل يستثمر ثمن ما حصده في الزرعة القادمة، بعد تحصيل الربح وخصم المصروفات، فلا يزرع الفلاح أرضه لكي يحصد، بل لكي يستمر في الحصاد عاماً بعد عام.

إهمال الأصيص

أما زارعوا الشرفات فقد يحصدون مرة، ويهملون الأصيص بتربته بعدها لسنوات، ثم يتعجبون من عدم قدرتهم على الزراعة فيها بعد مرور الزمن عليها، في حالة من الجفاف والإهمال، دون رعاية ولا تقليب ولا تسميد، ظناً بأنهم حصلوا على ما يريدون عندما قطفوا أول قطفة، ونسيوا رعاية الأرض التي كانت سبب ذلك الحصاد.

رعاية الأرض

فالأرض هنا هي أساس الجهد والتعب، والثمر ليس هو النتيجة، إنما علامة على الطريق الصحيح، وأما النتيجة فهي استمرارية الحصاد عاماً بعد عام، مما يستلزم الحفاظ على الأرض، والنبات في حالة كان متعدد الحصاد.

هذا ما جعل الزراعة سبب تشكل أول مجتمع إنساني حضاري، له نظام إجتماعي خاص، لأن الاستدامة هي ما يصنع الاستقرار ويؤدي إلى النجاح.