تخيل شخص يجلس أمام مائدة طويلة مليئة بكل ما لذ وطاب من الطعام، لحم، دجاج، سمك، وجميع أنواع الطواجن والمقبلات والطبخات التي يحلم بها أي إنسان، ثم تجده بوجه عابس يجلس واجما أمام كل تلك المأكولات الشهية.  

تسأله ما بك؟! لما تحرم نفسك من كل تلك الخيرات وتجلس حزينا هكذا؟ أمحتار من أين تبدأ؟ أم مريض لا يمكنك أكلها؟

فيفاجئك برد صاعق ويقول: لا أنا بخير وفي غاية الجوع، لكنني لا أستطيع أن آكل الطعام بدون خبز!

تنفرج عيناك قليلاً في ذهول وأنت تسمع هذا الهراء العجيب فترد في تلقائية بحتة: وما المشكلة في عدم وجود الخبز، هذا الطعام يؤكل باليد إن لزم الأمر. 

فنظر إليك والضيق يرسم لوحة من الغضب على قسمات وجهه العابس وقال: وما نفع الطعام بدون خبز، أنا لم أعدت أن آكل بدون رغيف العيش، ولن أبدأ ذلك الآن. 

ثم يغادر القاعة والمائدة، بدون أكل لقمة واحدة وبطنه تتضور جوعاً. 

إن كنت تتعجب من هذا المشهد يا صديقي القارئ، فاعلم أن الكثير من الناس لا تأكل إلا بالخبز، حتى لو كان الطعام أرزا أو حتى معكرونة. 

وما أعنيه هنا أن بعض الناس لا يمكنه الاستفادة من امكانياته وموارده المتاحة ما دام يركز على الوضع المثالي فقط، وينتظره بفارغ الصبر. 

فالكثير منها يحمل هاتفا ذكيا متصلاً بالانترنت، يتيح له مجموعة كبيرة من الدورات والكورسات والقنوات المعرفية المفيدة على مختلف المنصات، لكنه لا يستخدم هذا الهاتف إلا في اللهو وإضاعة الوقت، بحجج كثيرة تختلف من شخص لآخر. 

وهذة رمزية الخبز في حكايتنا، فهو بالنسبة للبعض جهاز كمبيوتر يتنظر أن يحصل عليه ليخصصه للعمل والدراسة، والبعض يعتبره حافزًا شخصيا للعمل ينتظر توليده في نفسه ليقوم بتطوير معارفه ومهاراته بسببه، وبعضهم الخبز بالنسبة إليه صديق وشريك طريق، يشجعه ويدعمه في كل خطواته. 

وهكذا لكل واحد منا خبزه الذي يقف بينه وبين المائدة التي تعمر بالخيرات، إلا أننا لا ندري أن المشكلة ليست في الخبز، بل في عقولنا.