اختلف العلماء قديما وحديثا في تعريف العلم والمعرفة والتفريق بينهما، ومنهم من يعتبرونهما أمرا واحدا لا فرق فيه.

وكنت بصدد للتو حوار مع أخ كريم حول تساؤل عن"فرق بين أمرين" فكان اختلافنا هل "الرجوع لأصل اللسان العربي" هو المحك وهو الذي سيساعد على سبر أغوار هذه الفروق أم أمور واعتبارات أخرى غير اللسان العربي؟ 

فهاتيكم اقتراحا لتعريف وفرق واضح (بنظري) يفرّق بين العلم والمعرفة وهو مبني على "الرجوع لأصل اللسان العربي". وأخبروني إلى أي درجة قد ترون هذا الاقتراح والتفريق مقنعا جديرا بالاعتبار والله أعلم: 

 "العلم" كلنا نعلمه فهو حالة دراية تتحصل داخل النفس عن أمر حاصل إما تراه بعينك (أو بالحواس عموما)، أو بالخبر يطلعك أحد عليه (أي بالنقل يعني)، أو بإعمال العقل كأن كنت تفكر في مقدمات له ثم خلصت على نتائج عنه. (وهذه "مصادر العلم" الثلاثة عند علماء الأصول) 

والأمر المعلوم هنا قد يكون واقعة حدثت أو قرار اتخذ أو تصريح أو طريقة عمل جهاز مثلا وهكذا. فهذه الأمور لما يتحصل فيك علمها بهذه المصادر تكون قد علمت بها. 

هذا "العلم"، فا هي "المعرفة" إذًا يا ترى وماذا تفرق عن العلم؟

"المعرفة" واضحة بأصل اللسان العربي من "العُرف" وهو "أعلى الشيء"، ولهذا سميت الجبال العالية بـ"الأعراف"، ونحن نستعمل كلمة "التعريف بالشيء" لم نرجعه لأصل ونصفه بالكلية (تعريفا تاما مميزا لغيره) أليس كذلك؟

فالآن نحن أمام مفهوم جديدا عن العلم وهو مرتبط بالارتفاع والعلو. 

أيكون "العلم المرتفع"؟ 

هو ذاك أو تحديدا تحديدا "المعرفة" هي "العلم المركب"، علم يتحصل عندك زائد علم آخر متعلق به زائد علم زائد علم زائد حتى يتراكم داخلك (يتراكب) بناء علمي متكامل حول أمر بعينه ولكن هذه المرة ليس مجرد علم بسيط يتناول جانب واحد أو معلومة أو من زاوية بعينها. لا في المقابل أو المغاير عن العلم البسيط أو مجموعة علوم متنوعة بدلا من ذلك يتكون عندك بشكل جمعي علم متراكب مترابط يبني بعضه فوق بعض حتى تصعد أنت عليه لأعلى فتراه الأمور من علٍ بشكل واضح وصورة كلية.

"المعرفة هي العلم المركب" (الذي يتركب بعضه فوق بعض حتى يصير كالبنيان تراه بتفاصيله بالكلية ملما بعلومه المختلفة المتباينة) والله أعلم.

وهذا تعريف وتفريق من الناحية المنطقية (وأصل المعاني باللسان العربي) فماذا عن الناحية العلمية والعملية في حياتنا اليومية؟ "العلم" يبقى كما وهو يستسقى ويصقل من مصادره التي ذكرنا بأعلى للتو. أم "المعرفة" فهي نظام أو "منظومة علوم" ("منظومة معلومات") مجمّعة مرتبّة تركّب وتربط ويُحكم رباطها كما تتعامل مع أي نظام خارجي (يبنى ويركب ويشغل ويستفاد منه) ولكنه نظام داخلي بداخلك وكيانك الروحي المعرفي مكونا خبرات ومهارات تراكمية لديك ما شاء الله.  

والآن شاركوني إن كان هناك فروقات أخرى بينهما، وما هي مصادركم لبناء المعرفة؟