برأيي، التصالح الحقيقي مع الماضي لا يعني فقط تقبل فكرة أن الأحداث السيئة جزء من حياة الإنسان وقدر من الله. فعلى الرغم من أنني أؤمن بضرورة التسليم وقبول ما لا نستطيع تغييره، إلا أن الإيمان بهذه المبادئ لا يكفي لتصالح حقيقي مع الماضي. فالتصالح الحقيقي لا يعني القبول على مضض، بل هو في نظري ذلك الإيمان المترسخ بأن الأمور في الماضي، بما فيها السلبية، حصلت لسبب جيد وكان لها دور في أي جانب إيجابي من حياتنا الآن.
ولكن يبقى السؤال، كيف يمكن أن نقتنع داخليا قناعة راسخة بأن حدثا سلبيا سبب لنا الألم والحزن، هو فعلا في صالحنا لدرجة أن يتجرد من أي إحساس سلبي عند تذكره؟
في حديثي هذا، أنا لا أشمل حالات الفقد الكبيرة كموت شخص قريب على سبيل المثال، ففي هذه الحالات لا يسعنى سوى القبول والتسليم ويوجد أساليب أخرى معينة لتخطي ألم الخسارة، ولكن لا يمكن تحويله إلى حدث إيجابي. أما كل ما هو غير ذلك، أؤمن أننا نستطيع التصالح معه بشكل تام وتجريده من سلبيته وحتى تحويله إلى نعمة في بعض الأحيان، ولكن هذه العملية ليست بالسهلة أبدا، بل تطلب تفكيرا منطقيا وجهدا لفهم الذات والكثير من الاطلاع في هذا المجال. فالفكرة من الموضوع باختصار، هي التركيز على التأثيرات والنواتج الإيجابية لذلك الحدث، لا أن ننظر إليه بالطريقة التقليدية النتعارف عليها. فلكل حدث جانب إيجابي ولكننا لا ندركه للكثير من الأسباب، أهمها أننا لا ننظر إلى الأحداث بعمق بل نأخذها بسطحيتها.
فأحيانا يتجلى الجانب الإيجابي بطريقة مادية وواضحة، كأن يتعرض أحدهم شخص لحادث فيدخل المستشفى ويعجب بممرضة هناك ويتزوجها. هنا أصبح من السهل تجريد الحادث من الألم والخوف المرتبط به لأنه أثمر عن حدث إيجابي.
ولكن ارتباطات الأحداث الإيجابية بالسلبية تكون أقل وضوحا أحيانا، كأن يتعرض شاب للتنمر بسبب شكله فيذهب إلى النادي الرياضي لتحسين شكله، فبعد سنوات عديدة يحترف التدريب الرياضي ويجد فرصة عمل فيه بأجر جيد جدا. فهذا الشخص إن أدرك حقا أن ذلك التنمر السبب في رزقه الآن، لا بد أن تلك الذكريات ستفقد تأثيرها عليه ولن ينزعج منها أبدا بل قد بشكر الله عليها لأنها كانت سببا في رزقه وإرشادا نحو طريق برع فيه. أما إن لم يربط الحدثين ببعضهما، سيشعر بضيق وإنزعاج عندما ما تخطر تلك الذكريات في باله.
وفي الكثير من الأحيان الأخرى، يتجلى الجانب الإيجابي على هيئة دروس نتعملها فترتقي بتفكيرنا وأخلاقنا وتكسبنا مهارات في إدارة الأزمات وحل المشاكل واتخاذ القرارات وهذا بدوره سيجذب أحداث إيجابية إلى حياتنا ولكننا لن نرجع الفضل إلى الصعوبات التي مررنا بها. ولكن بمجرد إدراكنا الحقيقي للجوانب الإيجابية لأي حدث سلبي وتعزيز قدرتنا على الشعور بالامتنان والرضى، يتغير الماضي بنظرنا، لأنه في النهاية مجرد أفكار في ذهننا عن ذكريات لم تعد موجودة الآن. فكل ما علينا فعله هو العمل على تعزيز قدرتنا على رؤية الجوانب الإيجابية ومحاولة استغلال أي حدث سلبي يحدث معنا للاستفادة منه كي نسهل عملية التصالح معه في المستقبل.
فهذه صراحة وجهة نظري الشخصية، وقد يختلف معي كثيرون من منطلق أن هذا كلام سهل يصعب تطبيقه. فماذا تظنون؟ وهل سبق أن استعمل أحدكم هذه الاستراتيجية لتخطي حدث سلبي؟
التعليقات