والآن نعود إلى صلب موضوعنا ونحول صيغته للسؤال جوهري ،لنقول مادا علمتنا هده الجائحة ؟.
لعلى أبرز ما تعلمنه منها إحدى أكثر العبارات التي رددناها صغارا وكبارا وهي عبارة { الناسُ متساوُون كأًسنان المُشط} أي أن لا فرق بين أوربي وإفريقي وأسيوي وأمريكي أو بين دولة وأخرى فالجزائر اليوم والصين وفرنسا وإيطاليا وإيران وأمريكا وكندا، وجميع الدول المتقدمة كانت أو النامية ،فقد أضحى الجميع سواسية أمام هذا الوباء الذي استطاع توزيع فيروساته بعدالة كبيرة على سكان المعمور، إضافة إلى ذلك، فإنه لا يوجد أي شخص في العالم فقيرا كان أم غنيا في منأى عن هذه الجائحة.
ما تعلمنه أيضا قد جاء في قوله تعالى:{ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } النساء: 28 هذه الآية من أعظم الأدلة على أن الشريعة الإسلامية هي الشريعة المناسبة للتكوين النفسي والعقلي والجسدي للإنسان ، ويمكن اعتبارها من أهم القواعد التي تقوم عليها الطبيعة البشرية المجبولة على الضعف والوهن مهما علت النفوس وتكبَّرت ، فهي في حقيقتها ضعيفة لا تقوى إلا على ما يناسبها و يشاكلها، و رأينا تجلى هذه الآية في طبيعة هذا الفيروس فقد بين مدى ضعف الإنسان أمامه، فأضحى لا يهاجم الفقراء والضعفاء والمهمشين فقط، بل هاجم و أصاب ويصيب حتى اللحظة رؤساء وملوك وأمراء دول، ومشاهير فما الفائدة من التعالي والتفاخر فكلنا مجموعة من الخلايا قادر على هزيمتها شيء لا نراه بالعين المجردة ،إلى درجة أن البعض بات يسميه بالعدو الحقيقي-غير مرئية-، عدو لا يؤمن بالتكتيك، بل بإستراتيجية واحدة هي القضاء على الجنس البشري وإبادته.
وفي خضم هده الجائحة تعلمنا حقيقة هده الدنيا التي حكاها من لا ينطق عن الهوى ، إدا قال عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الحديد:20، ويقول ابن الجوزي: { الدُّنْيَا غرارة غدارة خداعة مكارة تظن مُقِيمَة وَهِي سيارة وَمُصَالَحَة وَقد شنت الْغَارة } فلو تأملانا قليلا رأينا كيف استطاع هذا الفيروس الصغير الضعيف الخفي أن يُنغص على أهل الدنيا نعيمهم ولذتهم وحياتهم وأمنهم واستقرارهم ومعيشتهم! فقد قيل أن من لم يتعظ بحقيقة الدنيا اختياراً، ألجأته مثل هده الأقدار والمصائب للاعتبار بها اضطراراً، فهي لا تبقي غنياً على غناه ولا صحيحاً على صحته ولا مُنعَّماً على نعيمه، فهي حقيرة دنيئة هينة فانية لا قيمة لها.
وكخلاصة، فإن هناك عبر ودروس كثيرة لقنتها وعلمتها { جائحة كُورُونا } لنا شخصيا ولكل بلدان العالم وللناس أجمع، ومما لاشك فيه حتما أن العالم سيتغير بسبب هذه الجائحة وحين تنتهي-بإذن الله- ستظهر ثقافة ما بعد كورونا جلية فقد تعلمنا الكثير، فاليوم الناظر والمتأمل للمشهد العام، يرى المسلمين – كغيرهم- متأهبين ومستنفرين أفراداً وجماعات ودولاً ومؤسسات وعبر مواقع التواصل والقنوات، مع أشد أنواع الاحترازات والتحصينات لمواجهة ومحاربة هده الجائحة التي أقضت مضاجع الجميع، وهذا أمر طبيعي وفطري، بل الحفاظ على الأنفس والأرواح من مقاصد الشريعة وضرورياتها الكلية.
لكن بالمقابل إنك لتتعجب أشد العجب العجاب العجيب؛ لِما ترى من برود وجمود ولا مبالاة وعدم استنفارٍ من بعض المسلمين - الدين نسأل الله عز وجل أن يهديهم إلى طريق السوى- مع انتشار هذا الوباء، نجدهم منشغلون بالتندر والاستهزاء والسخرية والضحك والشماتة واللعب واللهو والتنقل بين المتاجر وتكديس الأغذية، غافلين متجاهلين الحكم الإلهية من المحن والبلايا التي يبتلي بها الله عباده.
ختاما أقول كالمسلمين الواجب منا في مثل هده المصائب أولا الثقة بالله تعالى وحسنُ التوكل عليه وتفويض الأمر إليه، فهدا من أعظم سبل لتجاوز المحن والتحديات، وثانيا اليقين بأن فرج الله آت لا ريب فيه وأن بعد الضيق سعة، فكلما قوي اليقين كان ذلك أدعى للصبر وثالثا عدم فقدان الأمل والتفاؤل وتجنب الجزع واليأس والتشاؤم، ومجاهدة النفس بتوطيد العزيمة على الثقة واليقين بالله ، ونذكر هنا عبرة يحفظها ويرددها أهل اليقين ومن له الثقة الكاملة بالله عز وجل، أن بقاء الحال من المُحال ولا يغلب عسرٌ يُسرين، إدا قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز :{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } الشرح:5-6، ولتعلم أيها القارئ أن أهل اليقين لا يعرفون اليأس، وأحسن الناس صبراً عند المصائب أكثرهم يقيناً، وأكثر الناس جزعاً وسخطاً في المصائب أقلّهم يقيناً، فقلب المؤمن الواثق الموقن كالصرح الشامخ لا تهزه عواصف المحن، بل تزيده رسوخاً وشموخاً.