"السخط" ضد الرضا، وهو الغضب الشديد الذي يصاحبه كراهة الشيء وعدم الرضا به، وإن كان السخط بهذا المفهوم معروفاً على المستوى الفردي، فقد يكون كذلك على المستوى الجمعي، ويعتبر السخط بهذا المفهوم أحد منافذ الجماعات والمنظمات المتطرفة والإرهابية للدخول إلى المجتمعات ومحاولة تفتيتها عن طريق تحويله بكافة الوسائل إلى "صناعة"، ما يقود إلى انقسام المجتمعات وغياب حالة الرضا والاستقرار.

من هنا أصبحت "صناعة السخط" من الصناعات الإعلامية الرائجة لدى هذه الجماعات والمنظمات، بل وتستخدم العديد من الدول في حالة حربها مع دولة أخرى هذا السلاح من أجل إضعاف الخصم وتمزيق لحمته الوطنية، ويتبع القائمون على هذه الصناعة العديد من الإستراتيجيات لتحقيق أهدافهم، فيرصدون لها الميزانيات الضخمة، ويستقطبون لها المجيدين للتعامل مع التقنية ووسائل الإعلام، ويختارون المواضيع المطروحة بعناية والتي لها التأثير السيكولوجي الأقوى على الملتقي حسب طبيعة كل مجتمع، ويشترون لها الأبواق المعروضة للبيع من أسواق نخاسة خيانة الأوطان ليشعروا المتلقي بأن "الخطاب السخطوي" الموجه له هو خطاب "وطني".. والحقيقة أن هذا الخطاب لا يمت للوطن بصلة، بل هو خطاب معادٍ للوطن وأهله حتى وإن قدمه من يتحدث لغتنا، ويدعي أنه يدين بديننا، ويريد إيهامنا أنه غيور على الوطن.

ومن الأساليب المتبعة في صناعة السخط هذه أسلوب "المبالغة والتفخيم" عند الحديث عن السلبيات، فلو سألتك عزيزي القارئ: هل يوجد مجتمع بشري على مر التاريخ منذ نشأة الحياة على هذه الأرض إلى اليوم خال من المشاكل؟.. ستكون إجابتك طبعا "لا"، فظهور المشاكل لازم من لوازم الاجتماع البشري، مما جعل الدول اليوم توجد العديد من المؤسسات الأمنية والقضائية والاجتماعية الهادفة للحد منها. فقابيل قتل هابيل وهم أبناء آدم عليه السلام، ومجتمعات الأنبياء هي الأخرى لم تخلُ من ظهور المشاكل. إذا كانت إجابتك على هذا النحو، فمن الطبيعي أن تحدث مشاجرة بين شخصين في أي مدينة من مدن المملكة، أو تحدث حالة سرقة في مكان ما.. إلخ. ولكن غير الطبيعي أن تقوم آلة صناعة السخط هنا بالتركيز على هذه الحوادث وتعميمها والادعاء بأنها أصبحت ظواهر في المجتمع. وهو ادعاء باطل، ونتيجة فاسدة، بنيت على مغالطة حجاجية غير صحيحة (بناء نتيجة وتعميم على حالة فردية ومتوقعة).