• محاولات تشارليز باباج الأولى:

تبدأ القصة بـ"تشارليز باباج"، عالم رياضيات ومخترع كان يحلم ببناء حاسب قابل للبرمجة، بدلاً من الجداول الحسابية التي تساعد الناس على حل العمليات الحسابية المعقدة، عمل لفترة طويلة بعد مساعدة من الحكومة على بناء آلة تقوم بهذا العمل، صمم أول حاسبة وأسماها محرك الفروق (Difference Engine)، تمكن من تطويرها حتى قام ببناء أول آلة تشبه الحاسب الآلي الحديث أسماها "آلة التحليل"، تعتمد فكرتها على البطاقات المثقوبة، لم تحصل الآلة على الرواج وتوقفت الحكومة على مد باباج بالإمدادات لتطويرها حتى توفي قبل إكمال مشروعه ولكنه يعد مخترع الحاسوب الميكانيكي.

  • أول مبرمجة في التاريخ:

في نفس الوقت كانت هناك من يعتبرها المؤرخون أول مبرمجة حاسب في التاريخ ”أدا لافليس" التي نشأت محبة للعلوم ومهووسة بالرياضيات، كانت على علم بابتكارات تشارليز باباج وقامت بالتواصل معه لتحاول إقناعه بمساعدته في مشاريعه.

خلال سعي باباج للحصول على دعم لبناء آلته التحليلية، قبل الدعوة للتحدث في مؤتمر العلماء الإيطاليين وكان النقيب لويجي مينابريا يكتب ملاحظاته وقام - بمساعدة باباج - بنشر وصف للآلة في فرنسا عام 1842.

حينها اقترحت إحدى صديقات أدا أن تقوم بترجمة دراسات مينابريا في مجلة علمية وكانت هذه فرصتها لكي تقدم خدمة لباباج وتظهر له مواهبها، بعد ذلك اقترح عليها باباج بكتابة ملاحظاتها على دراسة مينابريا، قابلت ذلك الاقتراح بحماس وأخذت تنشر ملاحظاتها التي زادت عن ضعف حجم مقالة مينابريا الأصلية، وأصبحت ملاحظاتها أكثر شهرة وقدر لها أن تكون مشهورة في تاريخ الحوسبة.

لقد استكشفت أدا في ملاحظاتها المفاهيم الأساسية التي ستترك صدى تاريخي بعد مائة عام، كان أحد هذه المفاهيم يتحدث عن آلة يمكن برمجتها من أجل القيام بعدد لا حصر له من المهام المتغيرة، وأظهرت أدا الاختلاف بين آلة الفروق وبين آلة باباج التحليلية المقترحة. وكان مفهوم أدا الثاني أن الآلة تستطيع تخزين أي شيء يمكن التعبير عنه في شكل رموز ومعالجته والتصرف على أساسه، وهي الفكرة التي ستصبح المفهوم الأساسي في العصر الرقمي؛ حيث يمكن التعبير عن البيانات بشكل رقمي ومعالجته بواسطة الآلة.

وكان إسهام أدا الثالث يتمثل في اكتشاف التفاصيل المتدرجة للأعمال التي نطلق عليها حاليا (البرنامج الحاسوبي) أو اللوغاريتم. وكان إسهامها الأخير الأكثر إثارة المتعلق بالحاسبات الآلية والذكاء الاصطناعي هو: "هل تستطيع الآلات التفكير؟".

  • تعداد سكان عام 1990 وإنشاء IBM:

في عام 1890 قام "هيرمان هوليريث" الموظف في مكتب الإحصاء والتعداد السكاني الأمريكي تطوير مفهوم البطاقات المثقوبة التي اعتمد عليها باباج واستخدم فيها الدوائر الالكترونية من أجل القيام بعمل تعداد للسكان في الولايات المتحدة، والذي انتهي في عام واحد بدلاً من ثمانية أعوام كما استغرق تعداد عام 1880 الذي تم بشكل يدوي وليس آلي، كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الدوائر الكهربائية في معالجة المعلومات وأنشأ هوليريث في عام 1924شركة باسم International Business Machines أو شركة آي بي إم IBM.

  • آلان تورينج:

بين عامي 1928 و 1937 قام بعض من العلماء بإثارة أسئلة في الرياضيات يمثل حلها عقبة أمام تطور الحاسب الآلي، قام بالإجابة عنها عبقري الرياضيات "آلان تورينج" عن طريق أبحاث نشرت له أعلن في آخرها عن احتمالية اختراع آلة واحدة يمكن استخدامها في الحساب وسوف تكون هذه الآلة قادرة على قراءة تعليمات أية آلة أخرى، وتنفيذ أي مهمة، وكانت هذه الآلة تمثل حلم تشارلز باباج وأدا لافليس في آلة شاملة متعددة الأغراض.

بعد ذلك تبنى هذه الفكرة العلماء الآخرون وأُطلق عليها آلة تورنج وأصبح اسم تورنج وهو في الرابعة والعشرين مختوماً على أحد أكثر مفاهيم العصر الرقمي أهمية.

  • تطور مفهوم الحاسب الآلي:

في نفس العام قدم طالب دراسات عليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إنجاز يشبه إنجاز تورنج حيث اقترح تصميم دائرة تتضمن الكثير من مفاتيح الفتح والغلق التي تسمى "البوابات المنطقية" من أجل تنفيذ سلسىلة من المهام المنطقية خطوة بخطوة.

في عام 1937 أيضاً كان "هاوارد أيكن" يعمل على تطوير آلة باباج وأخذ يناشد شركة IBM ببناء آلته وهو ما حدث، حيث قامت الشركة ببناء الحاسب مارك 1 الآلي كلياً الذي حول حلم باباج إلى حقيقة.

في نفس العام أيضاً كان هناك مهندساً ألمانياً يدعى "كونراد زوسه" انتهى من النموذج الأولى لآلة حاسبة تستخدم نظام الأرقام الثنائية سميت بالحاسب Z1، قام بعدها بتطوير حاسبه الذي كان ميكانيكاً وليس كهربائياً ولا إلكترونياً إلى نسخة أكثر تطوراً Z2، حيث استخدم فيه المرحلات الكهروميكانيكية حتى طور الحاسب Z3 الذي أصبح في عام 1941 أول حاسب رقمي متعدد الأغراض قابل للبرمجة ويعمل بشكل فعال. قدم زوسه اقتراحه إلى الجيش الألماني لكن لم يتم الاهتمام به ودمرت الحاسبات والتصميمات عندما قامت قوات الحلفاء بقصف مدينة برلين.

بعد أن توصل زوسه إلى استخدام المرحلات في صناعة الدوائر التي تستطيع التعامل مع العمليات الحاسبية المعتمدة على الأرقام الثنائية، أصبحت فكرة أن الدوائر الرقمية ستكون مفتاح الحوسبة واضحة أمام الباحثين في كل مكان.

... يُتبع

الجزء الثاني:

سرد القصة مقتبس من كتاب "المبتكرون" للكاتب والتر إيزاسكون