أتذكره جيداً،  لا زال همسه يرن بأذنّي، ذلك الصوت الذي يحمل الكثير في طياته، كنت موقنة تماماً بأنه سوف يأبى الرحيل عن مسامعي ذات يوم، كم كنت غبية حقاً، لم آدري بأنه سوف تأتي هذه اللحظة التي آتمنى لو لم ألتقي به، لا أعرف اينبغي علي الندم الآن أو التلذذ بذكراه؟.

أشتاق لتلك الآيام الخوالي، رغم أنها كانت ثقال بعض الشئ ولكنها لا تخلو من اللحظات الملّونة، كم كنت أتمنى بأن يضمني وطني الحنين مجدداً، ولكن من كان يعلم بأن ما نتمناه شئ والواقع أمرا آخر.

أذكر كم كنت خائفة في ذلك اليوم، لا أعلم إن كان الآمر حقيقي أم أحد أحلام يقظتي التي لا تنتهي، عندما دبت لحظة الهبوط لم أشعر سوى بتلك المرأة حالمة العينين توقظني من غفوتي التي سيطرت على جفنَّي الناعستين، إنتابني قلق ما لا أعرف سببه، ربما كان ذلك إشارة لما سأواجهه في هذه الحياة المجهولة التي بإنتظاري ، أتسائل أحيانا إن كانت هذه الأحاسيس التي تراودني بين حين لأخر رسالة مبطنة تحمل لي تحذيراً ما أو مجرد شعور غريب.

حان وقت النزول وحان وقت بداية هذه الرحلة الحياتية التي لا أعلم ما ينتظرني بها، ولكن يجب علىّ أن أكون أكثر تفاؤلاً وأن أكف عن هذا القلق الذي لا نهاية له.

بالرغم من شعوري بالإنزعاج من مشاهدتي هذا الكم الهائل من المسافرين والمئات من ما كانوا بإنتظارهم، إلا أنني لن أنكر مدى شعوري بالإثارة من مجرد التفكير بكيف سيكون طريق دراستي، وهل سأكُّون صداقات مثمرة أم لا؟... وأي من رفقاء السكن سأحصل؟.... لا أستطيع الإنتظار فلتمضي هذه الإجراءات السخيفة بأسرع وقت ممكن.........

لن أنسى تلك اللحظة اللطيفة أبداً، حين إلتقيت ب ( ماري ) صاحبة الوجه البشوش والإبتسامة التي كانت سبباً في إزالة بعض مخاوفي، هذه إحدى البدايات الجميلة، حصولي على صاحبة منزل مثل ماري.

لم تطل محادثتي معها كثيراً بعد إستفساري عن بعض التفاصيل المهمة ولكنني شاكرة لها لإطلاعي على بعض الآمور المتعلقة برفاقي في السكن، حين تحدثت عن بلقيس لم تفارق الإبتسامة وجهها ولكنها كانت تبث لي بعض التحذيرات في حديثها، حينها تأكدت ما نوع المزاج الذي تمتلكه تلك المدعوة بلقيس، ولكن هذا لا يدعو للقلق أعرف جيداً ما نوع التعامل الذي يليق بها، ولكنني لم أدري سبب تجهم وجهها حينما تحدثت عن رفيقتي الآخرى نادين، بالرغم من وصفها لي بخفيفة الظل، لا داعي للقلق حيالهم فأوجه النظر تختلف من شخص لآخر.

كنت متحمسة جداً لرؤية المكان الذي سيصبح مأوى لي، ولكنني لم أشعر بقلبي في تلك اللحظة، أكاد أصدق بأنني إستطعت الإحساس بكل شعرة في جسدي من هول ما رأيته، ما هذا؟ إنه شخص...... شخص ملقي على الآرض في بركة من الدماء....!

... يتبع