عنوان الكتاب: النظرات

الكاتب: مصطفى لطفي المنفلوطي

المجال: مقالات و قصص اجتماعية

عدد الصفحات: 709 تقع في ثلاث أجزاء

الاقتباس صفحة: 238 من الجزء الثاني

عن الكتاب: من أروع ما قرأت و كيف لا و هو للنابغة الأدبي مصطفى لطفي المنفلوطي، أسلوبه في قمة الرقي و الأناقة، هنا اللغة العربية في أبهى صورها. ناهيك عن الحكم العميقة التي يوصلها الكاتب. عموما، أنصح به كل من يتلذذ بالفن الأدبي الراقي و يحب التعرف على جمال لغته أكثر.

و اليوم، أحببت أن أنقل لكم اقتباسا أعجبني من مقالته سياحة في كتاب و هذا الكتاب هو ''بلاغة الغرب'' المترجم من الفرنسية، و إليكم مقتطفا أعجبني:

ثم فارقته و مشيت حتى بلغت منزل الشاعر ''لامرتين'' فرأيته جالساََ في غرفته و ليس معه في منزله من يؤنسه غير كلبه فسمعته يخاطبه و يقول له:
أيها الكلب الأمين، قد هجرني الناس و بقيت بجانبي، و خانني الأصدقاء و وفيت لي، فأنت في نظري أوفى الأوفياء ، و أصدق الأصدقاء، و لولا أنك كريم الأخلاق متواضع، تأبى إلا أن تعرف لسيدك منزلته من السيادة عليك، و تحفظ له فضل ما أسدى من النعمة إليك، لأكبرت جلستك هذه على عتبة الباب، و لأجلستك بجانبي؛ لأنك صديقي و مؤنسي؛ و لأنك أحق بالإكرام من كثير من أولائك الذين يفترشون الطنافس، و يتوسدون الوسائد، حسبي منك نظراتك التي تنظر بها إلي بود و إخلاص و كأني أشعر حينما أراك تحدق بي أنك تفتش عن سريري في أسرتي و تقرأ في صفحة وجهي، ما غاب عنك من دخيلة أمري، و كأنني أسمعك تقول: ما باله، و ما شأنه؟ و ما الذي يبكيه؟ فحسبي منك ذلك، و هل يجد الإنسان من أوفى أصدقائه أكثر مما أجده في لفتتاتك، و ألمحه في نظراتك من الاهتمام بأمري و العناية بشأني و الحزن لحزني و البكاء لبكائي؟
سمعت ''لامرين'' يناجي كلبه بهذا النجاء الرقيق، فانسللت و ذهبت لشأني و أنا أقول في نفسي: إذا كان ''لامرتين'' -و هو أشعر شاعر في (فرنسا)، و (فرنسا) مهبط وحي الشعر- لم يجد له صديقا وفيا غير كلبه المقعي على عتبة غرفته، فأين يذهب سائر الشعراء، و متى يجدون الأصدقاء؟