قرر هنري ثورو الانعزال عن المجتمع، فبنى بيتًا صغيرًا من الخشب يطل على بحيرة ولدن، وأخذ يتذوق جمال الحياة بعيدًا عن صخبها المتسارع. فشرع في القراءة والكتابة بحرية واستقلالية، مما يثير تساؤلات حول العلاقة بين القراءة والعزلة، وما الذي حققته العزلة للكاتب؟ وهل الدور الإصلاحي للكاتب يلزمه الانخراط في المجتمع؟

يقول ثورو في فصل "القراءة" - والذي أراه الأفضل والأهم في الكتاب -: "إن الكتب هي ثروة العالم الثمينة والإرث اللائق للأجيال والأمم، تقف الكتب الأقدم والأفضل على نحو طبيعي ومستحق على رفوف كل كوخ." كان ثورو يفضل الكلاسيكيات والأدب الرفيع التراثي تحديدًا، ويرى فيه عمقًا وجودة فُقدت في عصره. كان قراره بالانعزال عن العالم بمثابة إعلان موقف ضد التسطيح والسرعة. وقد استخدم لأول مرة مصطلح "Brain rot" لوصف ما تخلفه الأحداث وتشتت الأخبار والنهج السريع والتنافسي بشكل عام؛ فهو يسبب خللًا في وظائف العقل وقدرته على استيعاب الفكرة العميقة والقضية الفلسفية. فلا يجد المفكر قدرة على التركيز والتحليل في مناخ عام من التشتت الناتج عن غزارة المعلومات وتعدد مصادرها، مع رداءة المحتوى وضعف الفكرة في أغلب الأعمال. لذلك قرر ثورو أن ينعزل وينأى بنفسه عما لم يطق احتماله.

لقد أنجز الكثير من الأدباء والعلماء والمفكرين أفضل أعمالهم خلال العزلة، لما توفره من صفاء للذهن وتركيز وقدرة على الرؤية الرصينة. ولكن لا نستطيع أن نغفل دور المفكر والمثقف الأخلاقي والإصلاحي تجاه المجتمع. فهل يكون العمل القيم ذا النفع تأثيرًا إصلاحيًا كافيًا، أم أن دور صاحبه في الحياة العامة مجال حيوي لا يُغفل؟