كل كسل هو وليد هذا العصر، والكسل آفة كُلّ شيء، معظم من يعاصرون هذا الزمان وبعد أن أتاح لهم سهولة غير طبيعية أبداً في التحصّل على كل شيء وتملّك كل شيء تغيّرت العقليات لدى المجموع وصرنا في حياة تُنادي بسعادة تختلف بماهيّتها عن ما كان ينادي الإنسان الأقدم.

فهذا الإنسان الذي نعاصر، أي نحن ومحيطنا صار يبتغي عالماً بلا جهد ولا ألم، هذه السعادة والراحة لديه، حيث أنّ أقل إنجاز يواجه أقوى شخص قد يشعر بقرارة نفسه أنني لو أستطيع تحصيل هذا دون بذل جهد، لو أستطيع تحصيله بطلبه مباشرةً، وهذا الأمر صار سمة حقيقية للعصر، بصيغة عالمية استهلاكية صارت تطرح فكرة وصول أي منتج بالعالم إلى باب البيت أمراً معقولاً ومحبباً أيضاً! ولكن قد يقول أحدهم: هذا غير صحيح بالمرّة! فنحن نبذل جهود وآلام كثيرة في حياتنا.

أقول لك، إذاً دعنا نتثبّت:

أليس أطفالنا وطلّاب الجامعات وحتى الأكاديميين منهم يشكون صعوبة التعليم وجهده في عصر يُعتبر معجزاً بشكل مُبهر لسهولته واتاحته العلم للكل وبأسعار وطرق في متناول الكل؟

أليس الناس يشكون أزمات المواصلات بشكل مستمرّ في ظل حياة سابقة لم يكن فيها رفاهية لركوب حصان؟

حتى التواصل صرنا نتذمّر من أقل سوء جودة للانترنت لنقول بأنّ هذه الحياة مزعجة وسيئة جداً؟

العلم ألم يصيرَ أثقل من الصخور ولذلك صار يخرج يومياً منشئي محتوى لتبسيطه للعقل الذي يأبى أن يعمل بصورة مجهدة ليفكك المعرفة ويهضمها بعملية جديّة دون هزل وكسل وبُعداً عن الجهد والآلام؟

كل هذا أسرده كبضع تأشيرات فقط على أماكن خللنا، كسلنا، كرهنا للواقع الجميل الذي يُبنى على مصارعة الظرف ومقاومته، هذا ما يحاول أيريش فروم في تأطيره بالكتاب ويقول أنّ واحدة من أكثر العوائق التي تقف حائلاً صلباً بيننا وبين وجود مريح وواعي وفيه سعادة خالصة هو رفضنا للألم والجهد، إذ أنّ صيغة لا ألم، لا جهد، هي صيغة بنظر فروم غير جديرة بالطرح في الحياة، صيغة خاطئة للعيش والوجود.

أخيراً: هل تتفق مع هذا الرأي أو أنّ لك فلسفةً أخرى للعيش تراها تنسجم مع عبارة: لا ألم .. لا جهد؟..