تطور سُنّة الطبيعة، والعمل، كغيره من الأنشطة البشرية، لا يشذ عن هذا الناموس الاجتماعي، فكل عصر يأتي وتحت إبطه أنماط جديدة من المهن والوظائف، وقد يهيل التراب على مهن أخرى. والواقع أن سوق آدم سميث لا يقع بعيداً عن غابة دارون، فلا يبقى إلا ما هو أهلٌ للبقاء. وقد عرف العالم الناطق بالعربية كثيراً من المهن التي لاقت ازدهاراً وذيوعاً في العصور الغابرة، ثم ما لبثت أن انقرضت أو كادت.

علاقتي الثقافية بالقراءة بدأت في سنوات عمري الأولى، ومع الوقت كرست علاقتي مع المكتبات، ولم يكن أمامي إلا مكتبات المساجد (الكتب الدينية والتربوية)، ثم حين سافرت إلىال خارج البلد تعرفت على المكتبات العامة وأدمنت شراء الكتب والمجلات، ومن حسن حظي أن الجامعة التي درست بها كان فيها مكتبة ضخمة وفي كل المجالات.

ان نظرتي للمكتبات هي نظرية فلسفية ومعرفية وثقافية. فهي من أهم لبنات البناء للثقافة للأفراد والمجتمعات.

للأسف لم تعد الثقافة في قائمة الاهتمامات اليوم، وبل الأسوأ أن تخصص المكتبات وكذلك مهنة أمناء المكتبات سوف تندثر بعد سنوات ولن يبقى منها إلا الأطلال. وحتى في المدارس نجد أن المكتبة عبارة عن مخزن ويقوم أي مدرس بدور أمين المكتبة وهذا عامل هدم لمفهوم المكتبة وتطويرها من المكتبات الورقية إلى المكتبات الرقمية او الدمج بينهما.

لا ننكر أن مفكر اليوم يختلف عن مفكر الأمس وكذلك أفكار الأمس تختلف عن اليوم والأدوات المستخدمة ليست عن ذلك ببعيد. ولا ننكر أهمية التغيير، ولكن:

ما الذي يمنع بقاء الكتاب موردا للثقافة بجانب كل معالم التقدم التقني والإدراك الذاتي والتقدم المعرفي وتوظيف أدوات الاتصال الحديثة في تطوير علم المكتبات وطبيعة المكتبات العامة مثل باقي العلم الأخرى، أليس من الأهمية أن نوظف الأفكار والأدوات معا كي يبقى للمكتبات العامة دورها الثقافي والحضاري، والا تتحول بعد سنوات إلى رفوف يعلوها الغبار!

هل تجدون في بلادكم أن المكتبات العامة على وشك الاندثار أم أنها لازال حضورها قويا في المجتمع؟