اللغة ملعب الرواية بكل تأكيد، لكن عن أي لغة نتحدّث؟ عن اللغة العربية الفصحى أو العاميّة؟. يدّعي الكثير من القُرّاء أنّ اللغة الفُصحى بكل تأكيد هي ملعب الرواية ولا يمكن للعامية أصلاً أن تدخل في هذا السجال، ولكن ألم نشعر ولو لمرّة واحدة أننا قد نستمتع بالحوارات العاميّة ولو بيننا وبين أنفسنا في كثير من المطارح؟

يقول الكثيرين الأمر مُخالف لقواعد الرواية، ولكن أسأ من فوري: ألم تُبنى قواعد الرواية والقصّص بناءً على موضوعات الإنسان وما يثير الإنسان فعلاً؟ فلماذا إذاً لا يعبر الحوار فقط في رواياتنا خفيفاً على أذن المُتلقي وعلى مسمعه؟ لماذا يجب أن نتغرّب عن نسيج كلامنا الواقعي؟ وهذا بالمناسبة ما لا تفعله أي رواية عالمية الأن عدا الرواية العربية، الراوي العربي هو الراوي الوحيد الذي بقي مُصرّاً أن يُقيم اعتبارات للغة على حساب المُتلقّي! 

أؤيّد جداً رأي الناقدة الريم فواز مثلاً حين عبّرت عن هذه المشكلة: "إنّ أحسن الروائي استخدام العامية، ستخدم اللغة والأفكار وتسهم في بناء الشخصية ومستواها البيئي والثقافي، لإنّها سلاح متى وظفه المبدع بشكل جيد تصبح عاملاً لا يمكن التغاضي عن أهميّته" وأكّدت كخبيرة في الرواية العربية بأنّ العامية أضافت للرواية وجعلتها أقرب من روح المتلقي بل إنّها أحياناً تعلق في ذاكرته بسببها. 

وبالمناسبة لديّ أمثلة الأن على روايات قد تأخذ كلامي على محمل الجدّ فعلاً في أنّ العامية قد ترفع من سوية الرواية وقيمتها الأدبية وخاصّة في الحوارات طبعاً، وهنا لا يمكنني أن أتجاهل الكاتب العظيم نجيب محفوظ وخاصة في رواية أولاد حارتنا، الذي استطاع الولوج إلينا بهذا المفتاح، حسن سامي يوسف أيضاً بروايته التي أرّخت لطبائع ومشاهد من يوميات دمشق تحت النار في ثلاث سنوات "عتبة الألم" ويوسف زيدان في قصصه، كل شيء كان يدلُّ لهؤلاء الكبار بأنّ لديهم أمر لا يمكن أن يصل إلّا بانسجامهم مع الناس لتحقيق المطلوب "أن نقرأ قصّة جميلة تؤثّر بنا فعلاً" 

وأخيراً، لا أملك إلّا سؤالي، سؤالي الأوّل والأخير في هذا الموضوع: اللغة العربية غنيّة بالمفردات ومتينة جداً، هذا معروف، كلنا نؤمن بذلك، ولكن هل هذا الغنى يتيح لنا ويبيح لنا الاستغناء عن العامية؟