غريبٌ كَيف تَملك رضوَى القُدرة عَلى سرد أحدَاث ثلاثَة عُقود هَكذا بسَلاسةٍ مُدهشة و دُون أنْ تتكلَف أو تنسَى !  تَتنقلُ مِن حدَث لِحدث و مِن عَام إِلى عَام كفراشَة تحُط عَلى زَهرة ًو تُغادِر أُخرَى و لا أدرِي لمَ تُذكِرني بقَول دَروِيش : " أثَر الفَراشِة لا يُرى ، أثَر الفرَاشة لا يَزول " كَأنها عاشَت مَعنى ال ٤٨ و ال ٦٧ و مَعنى اللُجوء و الخُذلَان عَلى أَرض الوطَن الجَريح ! 

طَوّعت الكَلمات و قَادَتها ، لَا عَجب أنّي أمضَيت ثلاثَ ليالٍ طوالاً مُنكبةً بشَغفٍ عَليها ، أُشفق على رُقية ، ذاتِ الذاكِرة اللعَينة ، التي تُصر على إقحَامها مرةً بعدَ مَرة فِي ذِكرَيات الحُروب و المَجازِر التي بِالكَاد تَناسَتها ، أُقدر فِيها صَلابتَها رَغم كُل مَا عاشَته ، وإن كُنت أتَساءل كَيف و تَحمِل الصفحَات الإِجابة !  لِوهلةٍ خِلتُ رَضوى رُقية و رُقية رَضوى ، تَحكِي و تَحكِي في ٥٨ فصلاً ، رَغم كَثرتِها إلّا أَنها مُمتعَة ، و مُنصِفة ، كُل الحقائِق منصُوبةٌ هُناك وأنتَ اختَر إِلى جَانِب مَن تُريد أن تكُون و مَن تُريد أن تَسمع . 

أحداثٌ كَثيرَة فَاجآتنِي ، كَيف و لِم و لمِاذا ؟ لكِن وحدَها - رُقية و مَن عَلى شَاكِلتها - تَملك الجَواب ، و أبلَغ جَواب الصَمتُ . 

الطَّنطورية - بفتح و تشديد الطاء الأولى و ضم و تشديد الثانية - تَحكي عن فِلسطين من خِلال أبَنائها مُنذ ال ٤٨ حتى أجلٍ قَريب ، ولا أتعجَب أنّ الإهدَاء لمُريد البَرغوثي زوجِها الفِلسطِيني . قرأتُ على غُلاف الرِواية أنّها تُغني عن قِراءة الكَثير مِن المراجِع ، وهذا فعلاً ما حَدث عِشت بذَاكِرة رُقية و عَينَيها ، أسمَع و أرَى ، عِشت فلسطِين و فلسطينُ رَضوى تُعاش 

عشتُها بذاكرةٍ َتأبى أنّ تُحتل و تَلجأ و تُخذل عِشتُها حُرةً آبيةً صَامدةً مُقاوِمةً مُقاتِلة كما علمَتنا رَضوى مِن حكَاياتِها .  

أحبَبتُ الطَّنطورة و تَمثلتُ شَوارِعها و الأَزقَة و دَار رُقية و عَمَّها أَبو الأَمين ، و صَيدا و جَنوب لبنان و شاتيلا ، كأنَ رُوح رُقية تَلبسَتني و رُحت معها أَجُوب عَين الحُلوة و عَرفت عَين غزال و يَافا . رِوايةٌ مُتخمَة بالأَحدَاث و الأَماكِن و الأنفَاس ، و كثيراً ما تُهت ضِمن الأَسمَاء التي عرَضتها لكنّي عِشتُها رَغم كُل شَيء.  عَلق بذهنِي قول" عِندما نَعرف ، نَستطيع "  يبدُو أنَني سَأكتُب مقالاً عَنه فِي وقتٍ لَاحق . و جديرٌ بِالذكْر أنّ رَضوى عَرضت فِلسطين كَقضيةٍ وانتِماء شكرًا رَضوى عَلى المُتعة و الفَائدة و التَاريخ و خِتاماً - و ككُل ختام مَقال يحمِل شيئاً مِن رَضوى -  " لا وَحشة فِي قَبر رَضوى "