صدفة غريبة أن تنجذب إلى كتاب من غلافه و اسمه الغريب، وتختار أن تعيش معه رحلة تتمنى أن تكون شيقة وممتعة، لمدة تناهز العشر ساعات. وقع اختياري على كتاب " الطنطورية" للكاتبة رضوى عاشور.
الطنطورية نسبة لقرية اسمها "طنطورة" في ساحل فلسطين التي توجد جنوب حيفا، هذه القرية في سنة 1948 ستقع فيها مذبحة والتي هي نقطة انطلاق الرواية لنغوص مع الشخصية الرئيسية " رقية " على مر نصف قرن منذ أن كانت صبية حتى الشيخوخة.
رقية التي عاشت تجربة اللجوء، وبالخصوص اللجوء في لبنان من خلال حكايتها سنتتبع معاناة اللاجئين الفلسطينيين، سنرى الناس البسيطة كيف تعيش كل يوم.
الشخصيات في الرواية سوف ترتبط بهم كثيرا وتحبهم، وتعيش معهم رحلة انطلقت من قرية في الساحل الفلسطيني مرورا بلبنان، مصر والخليج ... أحببت الطنطورة و تمثلت شوارعها و الأزقة و دار رقية و عمها أبو الأمين ، و صيدا و جنوب لبنان و شاتيلا، كأن روح رقية تلبستني و رحت معها أجوب عين الحلوة و عرفت عين غزال و يافا . رواية متخمة بالأحداث و الأماكن و الأنفاس ، و كثيرا ما تهت ضمن الأسماء التي عرضتها لكني عشتها رغم كل شيء.
غريب كيف تملك رضوى القدرة على سرد أحداث كهذه بسلاسة مدهشة ! تنتقل من حدث لحدث و من عام إلى عام كفراشة تحط على زهرة و تغادر أخرى كأنها عاشت معنى ال 48 و ال 67 ومعنى اللجوء و الخذلان على أرض الوطن الجريح !
طوعت الكلمات و قادتها ، لا عجب أنني أمضيت عشر ساعات طوالا منكبا بشغف عليها أقرأ صفحة بصفحة حتى وصلت إلى الصفحة 215، أشفق على رقية، ذات الذاكرة اللعينة، التي تصر على إقحامها مرة بعد مرة في ذكريات الحروب والمجازر التي بالكاد تناستها، لوهلة خلت رضوى رقية و رقية رضوى، تحكي و تحكي في 25 فصلا التي قرأت لحد الآن، رغم كثرتها إلا أنها ممتعة.
كتاب موجع وفي نفس الوقت يجب قراءته لكي تتعرف على تاريخ آخر، ليس كما تقرأ مرجعا تاريخيا، أو مقالات، أو تسمع شهادات، أو تشاهد أخبارا، في الرواية تحكي لك على أناس تشبهك.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الرواية ليست رواية سياسية تتحدث عن اللجوء، بالعكس أنا يظهر لي أنها تسلط الضوء على الجانب السيء في السياسة؛ أنا أعتقد أن الناس كلها يجب أن تقرأ هذه الرواية وبالخصوص الشباب لكي يعرفوا ما معنى الحق في الأرض؟ ما معنى حب الأرض؟ ما معنى الوطن؟ المفاهيم التي تظهر لنا أنها سخيفة وليس لديها أي معنى.
ما معنى أن تكون لاجئا؟ لأن هذا الكلام نسمعه في نشرة الأخبار، أو يتكلم فيه السياسيين أو يهتفون بشعارات. ولكن لا نعرف المعنى الحقيقي للاجئين.
الرواية ظفرت التاريخ بالخيال بحيث عشت ما حدث بذاكرة رقية و عينيها، أسمع و أرى، عشت فلسطين و فلسطين رضوى تعاش.
التعليقات