هل قراءة الكتب ورقياً له نفس تأثير قراءتها إلكترونياً على عقل القارئ؟

لكن قد تكون عادة القراءة الإلكترونية قائمة على القراءة السريعة غير المعمقة بالتالي تتناقص المعرفة، ثم إن لم تكن هناك عادة القراءة من المطبوعات الورقية ألا ترين أن من الصعب تشكيل تلك العادة الإلكترونية بشكل بنّاء؟ أقصد أنه سيحصل خلل في عملية القراءة ككل وستنتهي عمّا قريب إما بدافع الكسل أو وسائل التششت الأخرى في الهواتف أو بدافع الملل إلخ..

هل من الممكن أن تنتهي إصدارات الكتب الورقية وتُصبح دور النشر تعتمد على القراء الإلكترونية فقط؟

أظن أن هذا أمر بعيد الحدوث بل غير متوقع مع أنني لا أثق بكلامي هنا، والثقة لا تأتي بعدم وجود الحجة المناسبة لكن بالفعل نحن اليوم ما زلنا أمام جولة أخرى من ثورة الطباعة الورقية مقارنة بما وصل إليه التطور التكنولوجي، كان بإمكان المطابع ودور النشر بالتوقف، لكن أرى أن الأمر غير غالب الحدوث لما يشكله الكتاب قبل كل شيء من قيمة معنوية والتي تمثل تقدم الحضارات عالمياً وتعكس مدى جودة ثقافتها، وكما ترين اليوم ما زالت تُبني الكثير من المراكز والمكتبات والصروح الثقافية التي تحتوي على عدد كتب ضخم وهائل وما زالت متاجر الكتب تحظى بإقبال جيد.

أنظري هنا في هذه الدراسة التي تم إجراءها في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال الأشخاص يقرأون الكتب المطبوعة بنسبة 37% مقارنةً ببقية الطرق في العام 2019

قد يكون الشكل الأكثر ملاحظةً هو انتشار الاجهزة الالكترونية بالتالي سهولة توفر الكتب، لكن ألا تعتقدين أنه لا تزال روح الكتب المطبوعة طويلاً وقوياً؟

من الجيد أنكِ توصلتي لهذه النتيجة دون سابق معرفة بنتائج الدراسة، ملاحظتنا المستمرة دائماً في الفرق بين هذه القراءة الورقية والقراءة الإلكترونية تكمن في الحصيلة التي نستقبلها فعلاً من الكتاب سواء أكان ورقياً أم إلكترونياً.

وأنا أوافقكِ أن الورقي يعطينا النتائج بشكل أكثر دقة وصفاء، على الأقل لا يأخذك التفكير نحو الخروج من تطبيق القراءة لأي تطبيق آخر لسهولة مهام التصفح مقارنة بمهمة القراءة العميقة.

لكن لا أعلم إن كنا على وعي من هذا، في الحقيقة حين قرأت الدراسة بدأت أستعيد كافة الكتب التي قرأتها بالطريقتين وكان الأمر مربكاً، حين كدت لا أتذكر تلك الإلكترونية لولا وجودها محفوظة على حسابي في Goodreads وأيضاً لاحظت أن مراجعاتي لها ليست بذلك التعمق، لكن الكتب الورقية والموجودة أمامي في المكتب كانت سهلة الأثر والتطلع بل وما أزال أذكر اسمائها وبعض الاقتباسات من خلال الفواصل التي أضعها.

ومن هنا ننتقل نحو السؤال الأهم، هل نحن فعلاً نستطيع التفريق بين الكتب التي تحتاج إلى القراءة الخطية المعمقة أو تلك التي تحتاج إلى قراءة سريعة لسهولة ما بها ومن ثم تحديد الطريقة المناسبة للقراءة والتي تضمن لنا الفائدة الأكبر؟

أم نستمر في رميّ النرد في الأسباب التي تدفعنا للقراء الإلكترونية مثل عدم توفر الكتاب ورقياً في مكان قريب أو عدم امتلاكنا المال الكافي لشراءه إلخ..

لكن الاختلاف فقط في تأثرنا نحن بالكتب الورقية كجيل، لكن لو جئنا للجيل الحالي والذي تعود على استقبال المعلومات إلكتروينا لا يطيق الكتب ولا المذاكرة من خلالها.

ذكرت في أحد ردودي على التعلقيات أن في دراسة تم إجراءها في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال الأشخاص يقرأون الكتب المطبوعة بنسبة 37% مقارنةً ببقية الطرق كالكتب الإلكترونية والصوتية في العام 2019

وأظهرت هذه الدراسة الكثير من الخصائص الديموغرافية وذكرت بشكل خاص أن الشباب من سن 18-29 لم يعدود يفضلوا قراءة الكتب الإلكترونية فقط.

حيث أن نسبة قراءة هؤلاء الشباب للكتب الإلكترونية وحسب تبلغ 6% فقط!

لذا أرى أن الجيل ربما يكون اكثر تمسكاً بالطريقة الأصيلة للقراءة وهي الكتب، صحيح أن المعلومة هي نفسها في الطريقتين لكن كما ذكرت أن في القراءة الإلكترونية قد تتأخر المعلومة في الوصول بشكل خطي لسهولة التنقل على الشاشة بينما في الكتاب ستصلك بشكل أفضل لأن الكتاب يفرض عليك عملية التتبع والقراءة العميقة.

كنت أتسائل أيضاً، حدثت معي موقفاً قبل سنوات كنت بعيدة عن مكتبتي وقمت بتنزيل مجموعة من الكتب إلكترونياً وكان كتاب قواعد العشق الأربعون من ضمنهم، كنت قد قطعت شوط بسيط في قراءة أول جزء لكنّي تعرضت لظروف كما قلت أجبرتني على إكماله إلكترونياً.

ولم أشعر بالاستمتاع البتة، كانت قراءتي صعبة ومملة وأسقط بالنوم بسهولة وحين أستيقظ وأعود للقراءة أجد أنني نسيت تماماً ما قمتُ بقراءته كأنني مررت على صفحة لأحد مواقع التواصل الاجتماعي وقرأت سريعاً أمور معينة وخرجت.

فضلاً عن أنني كنت أستخدم متصفح وتطبيق تقليدي للقراءة فلم أكن قادرة على وضع الاقتباسات أو تحديد الأحداث الرئيسية وحتى بعد استعمالي تطبيقات بها هذه المزايا لا أستطيع مجاراة الأمر ويبدو عقلي ضيقاً في استقبال المعلومة.

لكن المعلومة المأخوذه من الكتاب الورقي هي نفسها المأخوذة من الكتاب الالكتروني

بالتأكيد هي نفسها، الفكرة في استقبالنا لها، المعلومة كيف سارت داخل عقولنا، وما يؤثر هنا هو الورق من التكنولوجيا، أي هل النظر للورق يعطيك نفس مسار المعلومة في النظر للشاشة، وهذا ما تم دراسته.

الامر يقتصر على المتعة في مسك الكتاب والتخطيط على العبارات التي تعجبك، في شم رائحة الورق، وملمسها الذي يؤثر على نفسية القارئ بشكل او بآخر.

كما قلتِ هنا تماماً تخطيط العبارات ومسك الكتاب ونفسية القارئ ستؤثر بشكل ما على كيفية استقباله للمعلومة، حين يكون على شاشة الهاتف هناك الكثير من المشتتات مثلاً وصلت رسالة بينما هو يقرأ وتضايق منها واستمر بالقراءة قد يفقد التركيز دون أن يلاحظ هذا وهكذا، بينما في الكتاب إن كان مركزاً تماماً ولنقل أنه يبعد عن المشتتات في الهاتف فهو أكثر تحكماً واستفادة من عملية القراءة.

هذا هو الواقع الجديد الذي يحل على العالم ومع استمرار التطور لا تعرف ما هو القادم في عالم القراءة .

أظن أنه كله يصب في هدف تعزيز عادة القراءة لدى المجتمعات من جهة وكذلك الاستفادة من التقنية والتكنولوجيا في جذب أكبر شريحة ممكنة من الأشخاص غير القرّاء، الأمر له جانب تسويقي وربحي أيضاً فيما تقوم به الشركات الكبرى من تقديم اختراعات تسهل علمية القراءة.

لكن تبقى الفكرة هل هذه القراءة ستعطي الشخص المعلومات بنفس الشكل أم أنها ستؤثر على طريقة تلقيه للمعلومة!