أفكر كثيرا في الهجرة...كثيرا جدا ... ليس الى درجة الهوس، لكن لدرجة معقولة تدفعني للسؤال والبحث عن تبعات هذا التفكير.

لعلكم تفكرون في ذلك أيضا، يبدوا أن الأمر أصبح شعبويا الى ابعد الحدود، لكن لأسباب غير كافية في كثير من الأحيان، إذ يرغب البعض في الهجرة لعيش حياة الحرية والتحضر في الطرف الأخر، ويرغب أخرون في الثراء والكرامة والجنسية الغربية، وبعض هذه الأسباب ضرورية إذا تم أخذها كجزء من سياق، لكنها تصبح أسباب غبية إذا أُخذت في سياقات أخرى، ومع الأسف الأغلبة الساحقة تأخذ الهجرة كباب كحل للهروب من البربرية والتعصب والفقر والجهل ها هنا، لكن هل فعلا أوروبا بلاد التحضر والمساوات والإنسانية فعلا كما نعتقد؟

يجيب الفيلسوف البلغاري تيودوروف تزفتان أن أوربا ليست كما تبدوا، انها متشبعة بفكر عنصري تصنيفي، ومؤسسة كليا على فكر ثنائي، فكل ما هو أوروبي في رأيهم حضاري ومتقدم واستثنائي، وكل ما عداه متخلف وبربري وعادي، وقد سوقت أوروبا لنفسها هذه الصورة منذ اليونان القديمة، حتى تأصل هذا المعتقد لديها ، ولدى الشعوب الأخرى بأنها حقيقة، إنها أكثر ذكاء وجمالا وعلما وأخلاقية، وهذا غير صحيح إطلاقا.

لقد خلقت أوروبا من نفسها مثالا لكل ما هو جيد ومحمود، وكل ما خلافها سيء ومنبوذ، وهذا ما يبرر الانبهار التام للمغلوبين من الدول الفقيرة ويبرر أيضا سبب تطاولها على القوميات الأخرى، ما يجعلها أكثر الشعوب تعصبا على عكس ما تبدي من الانفتاح.

يدعوا تودوروف في كل كتبه الى الانتباه الى هذه الثغرة المعرفية، بداية من نقد أطروحة صدام الحضارات التي تبناها وروَّجها صامويل هنغتون، وإعادة التفكير في معنى الحضارة بما هي إنسانية ومشاركة واحتضان للأخر والقدرة على خلق جسور الحوار بين الثقافات المختلفة وتقبلها كما هي بغض النظر عن اللغة والدين والعرق.

أوروبا لم تعد حلما للأوروبيين أنفسهم بسبب فوضوية الفكر الرأسمالي والتحيز العرقي، لذلك نرى اليوم محاولات للرجوع الى الثقافات التقليدية للأخذ منها ومن أفكارها لمحاولة إيجاد سبل جديدة للعيش المشترك، لذلك يجب تغيير الصورة المثالية عن أـوروبا ومحاولة تغيير واقعنا المحلي ليكون بمستوى تطلعاتنا.

والأن أخبرنا: ما رأيك في الهجرة بجدية؟ هل تطمح لها ولأي سبب؟ هل تعتقد أن بلداننا مازالت تحمل إمكانيات للعيش الكريم؟ وما الفرق في رأيك بين الحلم بالهجرة المنتجة والهجرة كشماعة فقط للهروب من فشلنا؟