يقول ابن خلدون أن المغلوب مولع بتقليد الغالب ومفتون به إلى حد الجنون، لكن عندما نفكر في هذه المقولة، نجد جزء من الحقيقة غائب وهي أن المغلوب على قدر افتتانه بالغالب لكنه يشعر تجاهه بالاشمئزاز، ويتمنى أن يختفي من الوجود وتنتهي سلطته، وهذا ما يحدث معنا اليوم، كشعوب عربية تكره أوروبا وفي نفس الوقت مازالت تتمنى أن تعيش فيها، فلماذا هذا التناقض؟
نحن نعلم اليوم أن البشر قد يتمنون حالة معينة لكن هذا لا يعني أنهم يحبونها لذتها، ولا يعني أنهم لا يحبون ما هم عليه، لكن يريدون حالة أخرى بشكل ما، وهذا ما يحدث لشعوبنا اليوم، أننا نعتبر أنفسنا أحرار مستقلين عن أوروبا الاستعمارية، ولدينا كميات كبيرة من الكره التاريخي لها، وشعور بالتفوق النفسي والروحي عليها من جهة، وشعور بالاستحقاق الوجودي الذي كسبناه بأيدينا من خلال تحقيق الاستقلال من جهة أخرى، لكن من الجانب الأخر لدينا نقص كبير في الامكانيات التي تعطينا إياها مجتمعاتنا التي تعيش فيها، من قلة في الفرص، تضييق على الحريات، والتقاليد الجامدة..الخ، ما يجعلنا نشعر بقلة الحظ والسخط، والانطفاء، وننظر إلى أوروبا كبديل قابل لتعويضنا عما لم نجده في مجتمعاتنا، لأنها الأقرب إلينا في الجغرافيا واللغة والتاريخ.
ببساطة، نحن نحب أوطاننا الى النخاع، لكننا غير معجبين بها على الأطلاق، أي أننا نحب أرضنا وأصلنا ومجتمعاتنا بكل قوتنا القلبية، لكننا غير مرتاحين بطريقة الحياة فيها، ولسنا معجبين عقليا بها كنماذج للحياة والعيش، لذلك نحتفظ بحبنا في قلوبنا ثم نسعى للعيش في أماكن أخرى أكثر سهولة وأمان.
أخبرنا عنك: هل مازال عندك هوس الهجرة إلى أوروبا؟ ولماذا تريد الهجرة إليها؟ وهل تعتبرها هي الخيار الأفضل لحياة كريمة، أم بدأت ترى الحياة من منظور آخر ؟
التعليقات