حبي للصيف لا يمنعني من الشعور بالحرارة ومحاولة تبريد جسدي، وكرهي للشتاء لا يمنعني من الاستمتاع بالمطر وكوب الشيكولاتة الساخن في المساء، أحب الإطراء لكني لا أصدقه ولا أدع له مجالا بقلبي، وأكره النقد لكن هذا لا يمنعني من الاستماع له والاستفادة منه. 

حبي لفتاة لا يدفعني بالضرورة إلى التقرب منها والدخول في حياتها وطلب يدها. 

وحبي لمجال ما لا يرغمني على تعلمه أو ممارسته لبقية حياتي.  

وكرهي لشيء أو لشخص أو لمجال من المجالات لا يمنعني من التأمل في سبب وجوده، ولا يدفعني إلا الاعتقاد بأن لا جدوى منه. 

كمثال:

أنا أحب الرسم كثيرًا وأرى أنه أعظم فن إنساني بل وإنني أرى أن مهد الكتابة خرج من رحم الرسم؛

لكني لم أقدم إلا مرات قليلة متواضعة على تعلم الرسم ولم تكن تجاربي ناجحة وكنت أكره ذلك، حتى أدركت أنني استمتع بلوحات فن الرسم وليس عملية إنتاجه. 

فقد تحب كثيرًا أكل السمك أو الدجاج، لكنك لن تحب عملية تنظيفه وطهوه بالتأكيد. 

وهذا بالظبط ما يحدث في بعض الأحيان عندما تتدخل مشاعرنا في حياتنا وتجبرتا على التفكير بعقلية الكل أو لا شيء وهي العقلية التي اسميها عقلية القطار. 

فعندما نحب أو نكون شغوفين بشيء ما نشعر أن هذا الأمر مصدر سعادة لنا ويجب علينا أن نجعل من هذا الأمر محور حياتنا، وهذا الربط في الحقيقة غير صحيح،

لأن الإعجاب والحب أو الكراهية، إنما هي مشاعر وانطباعات لحظية مبنية على تجارب ومشاهدات شخصية، وليس على خبرة عملية أو مبادئ علمية. 

وهذا لا يجعل مثل تلك العواطف أساسا يمكن البناء عليه لقرار سيستمر معنا طوال عمرنا. 

إن من الخرافات المنتشرة عن الموهبة هي أن ممارستها لا تسبب أي تعب أو مشقة لصاحبها، وأنه يستمتع بممارسة هوايته تلك مهما كانت حاله، وهذه ملحوظة مغلوطة. 

صحيح أن الهوايات تخفف الضغط النفسي وتساعد على تجاوز الاوقات الصعبة، إلا أن هذا التأثير لا يحدث بسبب الممارسة بل بسبب النتيجة، فعندما أنجح في صياغة مقالة طولية عن موضوع مهم وانا مريض لا تكون عملية الكتابة سهلة أبدا، لكن النتيجة وآراء القراء في المقالة هو ما يرفع روحي المعنوية، لأن القدرة على انجاز أي شيء ولو كان صغيرًا في الأوقات العصيبة، يحمينا من اليأس والقلق بشأن مصيرنا ومكاننا في هذا العالم. 

وتعتبر الكتابة بالنسبة إلى من تلك التجارب التي تثبت وجهة نظري عن المشاعر، فأنا لا أطيق الصبر على قراءة القصص التي أكتبها لكني أستمتع كثيرًا بعملية التأمل التي تسبق عملية الإنتاج وهذا لا يعني عملية كتابة سهلة، لكن الغوص في الخيال يثير دائما داخلي مشاعر الإنبهار والحماسة، لذلك أنا أحب الكتابة كخيال وإبداع وليس كعملية إجرائية أو كنتيجة لكني مجبر على ممارسة الكتابة الإنتاج لكي يكون لعملية التأمل والتخيل معنى، ولكي يستمتع الناس بخيالي كما أستمتع به أنا.

ومن خلال فكرة تحديد محفزاتي تلك، تمكنت من إتخاذ الكثير من القرارات الصعبة في حياتي، بناء على الأولويات والمبادئ، وليس بناء على العاطفة والحب أو الكره،

ولأن إحساس الحب والكره متقلبان فقد يجد الإنسان نفسه يحب ما كان يكره، أو يكره ما كان يحب، أو حتى يمل منه ويعتاد عليه. 

والكثير من المحبين عانوا من وباء التعود والملل بعد الزواج، إلى حد تفاقمت فيه المشاكل بينهم فأوصلتهم إلى الطلاق. 

وكم من الأزواج بدأت علاقتهم بشكل بارد ثم سقيت أرضهم بالرضا فنبت فيها الحب مع مرور الزمان. 

وهذه هي المعضلة الكبرى في حياة أي إنسان، كيف يكون طموحًا إلى الغد الأفضل مع رضاه بما بين يديه الآن؟