الحب... تلك الكلمة الرنانة التي طالما تكررت من قديم وستتكرر ما دام هناك حياة وأحياء. كلنا نحيا بالحب ولولاه لما قامت لنا حياة. فمن منا لم يحب ومن منا لم يحيي ليله يفكر فيمن يحب؟ بالطبع كلنا، ولكني أتساءل وأسألكم: هل الحب اختيار أم قدر كباقي الأقدار؟ 

هنا يجيبني ويجيبك شاعرنا كامل في حبيبته سلمي:

يلومونني في حب سلمى كأنما    يرون الهوى شيئاً تيممته عمدا

إلا إنما الحب الذي صدع الحشا    قضاء من الرحمن يبلو به العبدا

فهو هنا يعذل عذاله ويطلب إليهم الترفق به فلا يلومونه في هواه لسلمى؛ فهو لم يتعمد ذلك. فما الأمر أمره وما الهوى بيده وإنما هو قضاء مبرم من السماء لا دخل فيه لحي من الأحياء. فهو لا يتلذذ بذلك القدر الذي يجشمه من الألا ما لا يطيق. فهو يراه محض ابتلاء يؤجر المرء إن صبر عليه!

ولندع كامل وسلماه ولنرى عنترة العبسي:

عُلقتها عرضاً وأقتل قومها؟   زعماً لعمر أبيك ليس بمزعم!

فهو يكذب الوشاة بأنه لا يعاد قوم محبوبته ولا يريد قتلهم وكيف ذلك وهو يهيم بها وقد نظر إليها نظرة بمحض الصدفة فأكسبته شغفاً بها؛ فهو لم يتعلق بها وإنما "عُلقها" بغير إرادته. 

كذلك أمير الشعراء أحمد شوقي يرى الحب قضاء وقدر:

 يا لائمي في هواه والهوى قدر    لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم

لقد أنلتك أذناً غير واعيةِ       ورب منتصت والقلب في صمم

فالهوى برأيه قدر لا اختيار ومن يلوم هو الملوم؛ فهو لم يعرفه وإلا لما لام. وحتى عند الملام، فالشاعر لا يباليهم؛ فشعوره وحسه وقلبه رهن محبوبه. 

وقد يكون قدر الحب من العنف ووطأة الابتلاء بحيث يتمنى العاشق هلاك محبوبه الذي لا يوافيه. اسمع معي جنادة العذري:

من حبها أتمنى أن يلاقيني    من نحو بلدتها ناع فينعاها

  كيما أقول فراق لا لقاء له     وتضمر النفس يأساً ثم تسلاها

انظر كيف يتسخط على قدر الحب الذي لا يستطيع منه فكاكاً فيتمنى الهلاك لمحبوبته حتى يتخلص من ذلك الحمل الجاثم على صدره؟! 

ثم إنَه يصرح في البيت الذي يليه:

     ولو تموت لراعتني وقلت ألا     يا بؤس للموت ليت الموت أبقاها!

وأني أسألكم يا أصدقاء : هل ترون ذلك أنانية مقنعة بقناع الحب؟ أم تلك غاية العشق في أعنف صورها وأصدقها؟

وهل تحسبون معي أن جميل بثينة فيه من الأنانية الكثير إذا يقول:

       فلا نعمت بعدي ولا عشت بعدها    ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر؟

فكما ترى، هو يتمنى البقاء معها إلى يوم الدين ويأبى عليها الحياة بعده ولكنه يسأل الله أن يموتا معاً إذا قضى الله أن يعجل بعقوبته!

والآن يا أصدقائي كيف ترون الحب هل هو اختيار أم قدر ومكتوب؟