لا يوجد اختلاف على أن تنوع الثقافات في المجتمع الواحد أمر جيد للمجتمع، ويكسبه خبرات مختلفة متنوعة، مما ينعكس على مكانة هذا المجتمع بين المجتمعات الأخرى وتطوره وعلومه ومعارفه.

ولا شك أيضا أن تنوع المشارب من مختلف الثقافات للفرد الواحد مهم أيضا ويكسبه كل معارف وخبرات هذه الثقافات. لكن ماذا لو كان الفرد ينتمي كليا إلى ثقافات مختلفة بل ومتضادة بحيث يكون جزءا من نهرين متضاديّ الثقافة؟

تناول الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة هذه الفكرة من خلال شخصية "بشر عامر عبد الظاهر" أو "سنيور بوتشى" التي يجسدها العملاق دكتور يحى الفخراني، في حقبة من حقب الإسكندرية الماضية، خلال أربعينيات القرن الماضي، وهو ابن لأب مصري من أصول صعيدية، وأم إيطالية.

وأظنكم تتفقون معي بأن ذوي الأصول الصعيدية لهم ثقافة تختلف حتى عن سكان العواصم الكبرى، فكيف بثقافة لا تنتمي أصولها ومنبعها لهذا البلد!؟

وأعتقد أنه كان لهذا الاختلاف أثر بالغ مفيد في تكوين شخصية بشر، فكان مختلفا عن أخويه لأبيه، وأقربائه لأمه، هذا الاختلاف أخرج لما شخصية استطاعت الجمع بين أفضل ما في الثقافتين فأنتجت لنا شخصية فريدة مثل هذه.

لكن.. هذا الاختلاف الذي يصل إلى حد التضاد أثر أيضا على هذه الشخصية بالسلب، ولعلكم تتفقون معي في هذا الأمر أيضا.

هذا الاختلاف أدى إلى تنازع شخصية بشر في انتمائه، وإن كان قد حسم الأمر بينه وبين نفسه بأنه مصري خالص، فربما يكون شعور الأم وأهلها بأنهم مصريين -رغم أن بعض تصرفاتهم وكلامهم يدل على التفرقة- سهل عليه هذا الحسم أمام نفسه. لكن تبقت آثاره متمثلة في نظرة المجتمع المصري إليه على أنه "ابن الخواجاية" وإطلاقهم لقب "الخواجة" عليه، وهذا التصرف أثر علي نفسيته بالسلب، وقد ظهر هذا التأثر، والصراع الداخلي أيضا في بعض المشاهد التي يعترف فيها بشر بحزنه جراء ذلك، وعدم معرفته لانتمائه الحقيقي.

ولعلكم ترون مثلي أنه لو لم يساعد شعور عائلة الأم بمصريتهم لأدى هذا الأمر إلى عواقب سيئة لهذه الشخصية، فما رأيكم؟.

اختار بشر أن يستفيد من الجانبين، والحفاظ على حالة التوازن بين هاتين الثقافتين داخله رغم محاولة كل طرف استمالته إليه، مع اعترافه بانتمائه الأصلي لمصريته، وهذا ما كنت سأختاره بالفعل لو كنت مكانه.

والآن أخبروني.. لو كنتم مكانه ماذا ستفعلون؟كيف ترون الانتماء لثقافات متضادة؟