بلا شك أنّ التقنية حين اقتحمنا حياتنا، غيّرت أسلوبها 360 درجة، فلم تكن أداة مخصصة للجانب المهني أو للتربية والتعليم، بل واكتسحت أيضاً علاقاتنا وغيّرت الكثير فيها، فأصبح من السهل تكوين العلاقات المختلفة ذات المدى البعيد أو القصير، عبر الشبكة العنكبوتية سواءً علاقات الصداقة التي تربط بينها الاهتمامات المشتركة، أو علاقات الارتباط والزواج، حيث نرى انّ تطبيقات المواعدة باتت في ازدياد سنةً تلو الأخرى، بل وأصبح الأمر مثار العديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية العالمية، وبالرغم من أنّ البعض يرفض المواعدة عبر الانترنت ويراه إبحاراً تجاه المجهول، إلا أنّه يوجد شق آخر يؤيد هذا الأمر، حيث خلُص باحثون من جامعة فيينا النمساوية بعد العديد من الدراسات، أنّ هذا النوع من الزيجات يدوم لفترة أطول!.
دعونا نُعيد الزمن إلى الخلف، حيث كانت بدايةً ولوجنا إلى تلك الشبكة عبر الأسلاك الكهربائية وضجيج رنين الاتصال ومحادثات الإيميل المحدودة، التي كنّا نرى فيها متنفساً كبيراً وملاذاً للكثير من المعلومات عن عالمنا الواسع، بلا شك انّ الحنين سينتابكم وأنتم تقرؤون هذه الكلمات، وبلا شك أنّكم شاهدتم إحدى أهم روائع توم هانكس "You’ve got mail"، ذلك الفيلم الذي صدر في عام 1998م، إلا أنّني "للأسف" لم أشاهده سوى مؤخراً، فانتابتني جرعات من الشجن!
الفيلم يحمل بين طيات أحداثه الكثير من الروح، حيث سنرى الكتب والمتاجر الدافئة والأجواء الخريفية وأزياء التسعينات البسيطة، ناهيك عن الحوارات الإلكترونية التي يُعبّر فيها كلاً من " جو" وّ "كاثلين" عن ما يدور في دواخلهم بعبارات تمزج بين الحكمة والكثير من اللطف والمرح!
ما أثار انتباهي بشكل أكبر في الفيلم هو مدى اختلاف الواقع عن العالم الافتراضي، وبالرغم من ذلك، تلتقي الشخصيتين الرئيستين في نهاية المطاف، وهو ما قد يكون رسالة خفيّة ومبطنّة، أنّ بداخل كلٍ منّا جانب الخير، إضافةً إلى جانب الشر، وربما الشبكة العنكبوتية تُظهر الجانب الرائع فينا، على عكس المتداول!
وأكثر الحوارات التي بقيت عالقة في ذهني بعد انتهاء الفيلم، ذلك الجزء الذي أشار فيه "جو" إلى قدرة المقاهي على تحديد هوية الفرد الذي لا يستطيع تحديد هويته بنفسه ولا يستطيع اتخاذ قراراته بسهولة، وأشار إلى سلسلة مقاهي "ستاربكس" الشهيرة، التي أرى من وجهة نظري الشخصية، أنّها بلا شك استطاعت حتى اليوم، التفوق في العزف على أوتار العوامل النفسية لدى الفرد، وليس فقط شراء كوبٍ من القهوة!
من لمّ يُشاهد الفيلم بعد، لا تُضيّع هذه الليلة الضجرة قبل أنّ تشاهده، فقد يُضيف لك الكثير من المتعة "كما حدث معي" :-)