الاختيار ما بين النفس والعائلة تحدي صعب وحساس، بالأخص إذا كانت العائلة في وضع حاجة ضروري لأحد أفرادها، وهو ما يجعل الإنسان حائرًا بين ما يجب أن يختار، فمن جهة هو إنسان لديه أحلامه وأهدافه، وانفصاله أو انشغاله عن أهله سنة ليبني لنفسه حياة وعائلة هو الآخر، ومن جهة فهو يشعر بالمسؤولية والخوف تجاه عائلته، وتدفعه رابطته معهم للشعور بالذنب نتيجة التخلي عنهم، بالأخص لو أن نتائج التخلي محتمل أن تكون مؤثرة بالسلب كثيرًا عليهم، وهذه المعضلة هي ما وقع فيها بطلي العملين what is eating Gilbert Grape بطولة جوني ديب وليوناردو ديكابربو، و فيلم coda بطولة الممثلة إيمليا جونس. جوني ديب كان يقوم بدور الشاب جيلبرت الذي يرعى إخوته والذي من ضمنهم مراهق يعاني من التأخر الذهني، ووالدته المصابة بالاكتئاب وتعاني من السمنة المفرطة، وإيمليا جونس كانت تقوم بدور فتاة شابة اسمها روبي ولدت في عائلة جميعهم أصماء لا يسمعون، جيلبرت كرس حياته كلها لعائلته بسبب حالتهم، وحتى عند توافر خيارات أخرى له للمضي قدمًا في حياته رفض واستمر معهم للنهاية، أما روبي فكونها حلقة الوصل الوحيدة بين عائلتها والناس من حولهم كان يضعها هذا في تحديات مستمرة تؤثر على دراستها ومستقبلها، ففي النهاية اختارت ترك عائلتها للتركيز على مستقبلها في الغناء، وبغض النظر عن موقف كلا الطرفين إلى أن اختيار كل منهما يضعنا أمام سؤال هام، في هكذا حالات، كيف يمكن أن يوازن الشخص بين مسؤوليته تجاه نفسه ومسؤوليته تجاه عائلته؟
معضلة الوقوع في الاختيار ما بين النفس والعائلة ما بين فيلمي coda و What's Eating Gilbert Grape
كيف يمكن أن يوازن الشخص بين مسؤوليته تجاه نفسه ومسؤوليته تجاه عائلته؟
الموازنة بين تحقيق الذات والمسؤولية تجاه العائلة معقد شويه. سواء في القصص التي ذكرتها في المساهمة .. فإننا نجد أنفسنا أمام سؤال أخلاقي وشخصي عميق: كيف نختار دون أن نخسر جزءًا من أنفسنا؟ لهذا لا يوجد اختيار صحيح مطلق، لأن الإجابة تعتمد على السياق الخاص بكل شخص. جيلبرت اختار عائلته، بينما اختارت روبي نفسها، وكلا القرارين منطقي ومفهوم بناءً على ظروف كل منهما.
الهدف هو السعي لتحقيق التوازن بحيث تظل وفيًا لعائلتك دون أن تفقد نفسك في خضم المسؤوليات.
جيلبرت اختار عائلته، بينما اختارت روبي نفسها، وكلا القرارين منطقي ومفهوم بناءً على ظروف كل منهما.
كلا القرارين صحيحين ولكن ربما كان يوجد قرار ثالث أصح! أعني إيجاد حل آخر وسطي يحقق مصالح كلا الطرفين، فمثلا جيلبرت كان بإمكانه رعاية أسرته والنهوض بحياته معا، ولكنه فضل الوضع الآمن ولم يفكر في كيفية ترقية حياته واكتشاف خيارات أخرى يمكن أن تعود بالنفع عليه وعلى عائلته أيضا. روبي اختارت مستقبلها ولكن كان يمكنها العمل على نفسها وحلمها دون الابتعاد عن أهلها، وكان بإمكان العائلة عموما إيجاد مترجم إشارات يرافقهم في الأحداث الهامة في حالة إنشغال روبي في دراستها بحيث لا يأثروا بالسلب عليها. دائما ما توجد خيارات موزونة ولكن الإنسان يميل للتطرف فإذا ضحى يضحي بكل شيء وإذا استقل نأى بنفسه عن كل شيء.
هذا سؤال صعب وسهل في ذات الوقت ، فأنا أتذكر موقف حدث منذ ما يقارب عشر سنوات تقريباً كنت فيه على مشارف الزواج وفي ذات الوقت كانت شقيقتي تعمل على مشروع صغير ولكنها راهنت عليه بكل ما تملكه من وقت ونقود وحتى إنها إستدنت ، وتعرض المشروع لخسارة فادحة بسبب غدر أحد التجار بها ونقص السيولة لديها ، فطالب الدائينين بنقودهم منها وإلا سيتخذوا إجراءات قانونية كانت ستسبب في سجنها ، فما كان علي حينها أنا و والدي وأشقائي من محاولة توفير مستحقات الدائنين بأي شكل ، هنا تخليت عن مبلغ كبير بمقاييس تلك الفترة (تحويشة العمر بهدف الزواج) لحل تلك الأزمة ونجحنا بصعوبة من تجاوز الأزمة بخسائر كبيرة في المشروع ولكن نجت مع والدي في تسديد كل الديون ، رغم ذلك لم يمر الأمر دون عواقب فقد رأت خطيبتي أنني غير مسئول عن تصحيح أخطاء غيري وأنني أفرط في حقوقها وبالأخص إن المبلغ المدفوع لن يسترد قريباً أو لن يسترد نهائياً ، وتسبب هذا الخلاف في فسخ الخطوبة .. لذا نعم يمكن القول أنني لم أحقق هذا التوازن وإن كنت أعرف تماماً أنني تصرفت التصرف الصحيح والوحيد المنطقي .. فهل يعقل أن أترك شقيقتي تواجه خطر مثل هذا ؟
عموماً أنا أجد الأمر نسبي وأنه في بعض الأمور ينبغي الحرص على (تحقيق ذاتي) طالما أن هذا لا يؤثر بشكل مباشر على أسرتي أو إلتزامي ناحيتهم بالأخص أنني الشقيق الأكبر والمسئول الثاني بعد والدي .
أنت أشرت لنقطة هامة أنا غفلت عنها حقيقة. التوازن قد لا يكون حلا أو خيارا مطروحا أحيانا، ففي حالتك أنت احتجت لكامل المبلغ لكي تنقذ أختك ولم يكن الوضع في كل حال من الأحوال تترك أختك للسجن من أجل الزواج! ومع أن الطرف الآخر هو من كان عليه أن يقدر ويتنازل ولكن لنقل أن هذا خير لكلاكما فالله يعلم الأفضل لكما، وحمد لله أن هذا الظرف انتهى وأتمنى ألا تواجه أنت وعائلتك ظرف مثله. وبالعودة لفكرة المساهمة، فالغرض الأساسي للتوازن هو إيجاد حلول تفيد كل الأطراف بمقدار متفاوت ولكنه معقول على حسب حالة كل شخص منهم، فمثلا أنت تضحيتك في الموقف الذي ذكرته كانت أكبر لأنك لو لم تقم بها لكانت النتيجة الكارثية أكبر، ولكن لو غيرنا الموقف مثلا وكان الحاجة للمال ليس انقاذا من السجن ولكن لفتح مشروع ما، هنا التوازن كان ضرورة فلا يمكن أن تعطي كامل المبلغ لتساهم في تأسيس حياة شخص ما وتعيق أنت حياتك وتضر بمستقبلك.
أولاً أنا أشكر كلماتك الطيبة وثانياً وفيما يخص تلك الجزئية :
لو غيرنا الموقف مثلا وكان الحاجة للمال ليس انقاذا من السجن ولكن لفتح مشروع ما، هنا التوازن كان ضرورة فلا يمكن أن تعطي كامل المبلغ لتساهم في تأسيس حياة شخص ما وتعيق أنت حياتك وتضر بمستقبلك.
حينها سأفكر في حل متوازن بقدر الإمكان فإن وجدت أن المشروع الذي ستقوم به شقيقتي مثلاً هو فرصة حقيقية يمكن تحقيق منها أرباح (مضمونة) حينها قد أفكر في مشاركتها من مبدأ الدعم و من مبدأ تحقيق الربح ولكن لن يحدث هذا قبل موافقة شريكتي التي يفترض أنني كنت مرتبط بها (بحيث سأناقش الفكرة معها بموضوعية ودون فرض قرار معين) وبناءاً على النقاش سأقوم بالمشاركة أو الرفض والتركيز على العمل بشكل مستقل ، فإن كان الموضوع يحمل فرصة حقيقية فسيكون من السهل إقناع شريكتي أو خطيبتي بالفكرة والعكس بالعكس.
الموازنة ستعتمد على قدرة كل شخص فينا على التضحية، يعني مثلا جلبرت ضحى بنفسه من أجل عائلته، روبما لحاجة في نفسه ،يعني هناك أشخاص اهتمامهم بعائلتهم هو مصدر سعادة كبير لهم شخصيا، وبالتالي هو وجد نفسه في البقاء معهم، وهناك مثال روبى والذي سيفضل نفسه مهما كان الوضع لأن وجوده معهم سيمثل عامل ضغط عليه كبير يجعله لا يجد الراحة أبدا.
والموازنة بين القصتين برأيي يأتي بأن يكون هناك طرف للاعتناء في حين يسعى كل منهما لإثبات نفسه وتحقيق أحلامه، فمثلا جلبرت كان يمكنه الاستعانة بشخص يرافقهم وبعتني بهم في حين يبدأ في السعي لتحقيق ذاته وعمله ومتابعتهم باستمرار، وبذلك يكون حقق التوازن نوعا ما
الموازنة ستعتمد على قدرة كل شخص فينا على التضحية، يعني مثلا جلبرت ضحى بنفسه من أجل عائلته، روبما لحاجة في نفسه.
هذه وجهة نظر منطقية، ربما بالفعل خيارات الشخصيات كانت هي ما أرادوه في كل الظروف مهما اختلفت، ولكن حتى هذا يضعنا في تساؤلات أخرى مختلفة، هل الشخص الذي ينسي نفسه من أجل عائلته هو في تعلق مرضي بهم؟ لأنه ليس من الطبيعي ألا يكون للشخص أي أحلام خاصة به بعيدة عن عائلته! وما الذي يجعل شخص يترك عائلته في وضع صعب وهم لم يقصروا في حقه من قبل، هل قسوة القلب فطرية أم مكتسبة؟
للغرابة عند مشاهدة الفيلمين خرجت برأي مختلف في كل مرة، ربما من تأثير الفيلمين الشديد علي، ففي فيلم What's eating gilbert grape شعرت بالقرب من شخصية جيلبرت وأردته أن يتحرر وينطلق، وفي فيلم coda شعرت أن كان عليها الاستمرار في حماية عائلتها وتأمين تواصلهم مع العالم الخارجي، لكني أعتقد أن في حالة البطلين هم في اختبار من أصعب ما يكون، بل أقرب إلى وصفه بالظلم أو الحظ العاثر، خصوصًا لو كانوا في مرحلة شباب، وأسمع من أصدقاء لي كيف جائتهم فرص كثيرة للسفر ولكنهم لا يقدرون بسبب أن والديهم مرضى أو كبار سن للغاية، قد تستطيع الموازنة لتعيش بجانبهم حياة عادية، لكن لن تستطيع أن تعيش الحياة التي تريدها.
قد تستطيع الموازنة لتعيش بجانبهم حياة عادية، لكن لن تستطيع أن تعيش الحياة التي تريدها.
هذه الجملة صعبة حقا! أعتقد أن الحل يأتي من الكبار بحيث عليهم أن يطلقوا سراح أبنائهم أو يرافقوهم ولكن في كل الأحوال ليس عليهم جعلهم يبكون على ضياع أحلامهم، في حالة السفر غلى وجه الخصوص كثيرا ما يعرض الأبناء على الأهل أن يسافروا معهم ولكن الأهل هم من يرفضون لأنهم لا يريدون ترك بيتهم أو وطنهم! أي حتى التوازن في هذه الحالات موجود ولكن البشر هم من يصعبوا إقامته.
صحيح كلامك، ولكن بصراحة في معظم الأحيان طالما أننا أضطرنا لخوض ذلك التحدي، فيكون فعلًا الأمر خارج مقدرة الأباء، الحالات التي نقصدها هي لعائلة بأفراد مرضى للغاية أو كبار سن للغاية، الظروف تتكالب حقًا على صاحب الأحلام الكبيرة مثل السفر حينها، وأحيانًا الزواج أيضًا في حالة أحد أصدقائي يخاف أن يتزوج وألا يرعى أحد والده.
في حالة أحد أصدقائي يخاف أن يتزوج وألا يرعى أحد والده.
لماذا لا يتزوج ويعيش معه فيستمر في مراعاته وتساعده زوجته في ذلك وربما إذا أرادوا بعض الخصوصية يمكنهم العيش في شقة قريبة منه أو في نفس العمارة وتعيين شخص لرعايته ويزورونه على مدار اليوم. الحلول كثيرة إذا فكرنا بعيدا عن التشاؤم والخوف والقلق.
البارحة بالضبط تواصلت معي صديقتي وقالت لي بأنها تريد أن تعود لسوريا بعد عودة الأمن والأمان إليها ولكن لا تستطيع ترك دبي حالياً لإنها ملتزمة بإرسال أموال من عملها إلى أهلها هناك وبالتالي هي مضطرة للعيش خارج البلد لكي يبقوا أهلها في الداخل ومضطرة أن لا تعيش لحظات البلد الآن الحلوة لإنها ملتزمة باختيار عائلتها على اختيار نفسها، هذه الحيارات برأي غير مبررة نهائي وعلى كل شخص بالعالم أن يدافع عن مصالحه فقط ولو التزمنا فعلاً بهذا الميثاق الفردي لكان كل شخص سعيد ولكن مشكلة العرب حالياً بالثقافة الجمعية في كل شيء ولذلك لحل هذه المشكلات أشعر أننا يجب أن لا ندرس الأسرة بل ندرس الجماعات وكيفية تحويلها للتفكير الفرداني كأوروبا.
لا أفضل كلا النظامين، لا أريد نظام قائم على الفرد حيث كل شخص يهتم لنفسه فقط كالغرب ولا نظام قائم على الجماعة حيث يجعل الإنسان نفسه آخر ما يفكر فيه في سبيل مصلحة الاغلبية، ولهذا كانت فكرة المساهمة تدور حول الموازنة وليس تأييد أحد الخيارات ورفض الأخرى، لنقل أن في بعض الحالات علينا أن نختار أنفسنا وفي بعض الآخر علينا أن نختار الغير وفي أحيان أخرى هناك إمكانية إرضاء كل الأطراف، في حالة صديقتك، يمكنها التفكير بأخذ إجازة لزيارة بلدها وعيش أجواء الفرح، يمكنها إيجاد عمل آخر ومن ثم ترك عملها الحالي للعودة لبلدها فيمكنها التفكير مثلا في العمل عن بعد، وربما تساعد أحد أخوتها أو أحد أفراد عائلتها على السفر ليعمل بدلا عنها فهي غير ملزمة بالإنفاق على أحد إذا توافر بدائل لذلك.
ما المشكلة بالحياة الغربية؟ هذه الخصوصية والفردية عندهم هي ما تتيح لهم أن يغنوا مبكراً ويحصلوا ثراء كبير وهي ما تجعلهم علماء وهي ما تجعلهم أهم وأقوى وأكثر راحة، أنا لا أقول أن نكون وحدنا ولكن أن نركز على فرديتنا باحتماعاتنا، يعني الغرب مجتمع منعزل، نحن يمكننا أن نبقى معاً ولكن وكل شخص يهتم بنفسه فقط.
التعليقات