كيف تؤثر طفولتنا على طريقة اختيارنا لشركاء الحياة؟ (فيلم Good Will Hunting" (1997)

قال لي صديق دارس لعلم النفس ذات مرة، معظم العقد النفسية التي نعاني منها الآن، بدأت وتجذرت في طفولتنا. أعتقد أنه من الصعب التخلص من أثرها علينا دون الإستعانه بمختصين، لأنها ستؤثر على بناء علاقتنا الصحية، لابد من إيجاد حل نفسي لهذه المشكلات وإلا فلن يحيا الانسان حياتة صحية طبيعية.

فكيف في نظركم يمكن لتجاربنا المؤلمة في الطفولة أن تؤثر على قدرتنا على الثقة بالآخرين وبناء علاقات عاطفية صحية؟

صدمات الطفولة باختلاف أنواعها ودرجاتها تؤثر بشكل كبير وعميق على شخصية الإنسان وأفكاره وأحكامه على الأمور بشكل يطول شرحه وتفسيره تبعا لكل حالة، لذا سأكتفي بذكر بعض الأمثلة، فمثلا الطفل الذي نشأ مع أب وأم غير متفاهمين على الإطلاق، زواجهم كان كارثي بكل معنى الكلمة، ستجدين أنه يكبر وهو كاره للزواج أو متخوف من العلاقات، وسيبحث دائما عن علاقة لا يلتزم فيها بأي مسؤوليات، أي يشعر فيها بحريته في المغادرة في أي وقت، ومن نشأت في بيئة حيث دور الأب غائب والأم هي المسطيرة وتدير كل الأمور، ستجدين أنها ستكبر وتصبح شخصية استقلالية جدا، لا تستطيع الاعتماد على أحد وترفض المساعدة من الآخرين لأنها تحب فعل كل شيء بنفسها، وستعاني عند ارتباطها لأنها إما ستجذب شخص اعتمادي يستنزف طاقتها، أو لن تستطيع الإستمرار في علاقة صحية مع شخص يعي دوره ومسؤولياته ويريد منها أن تتركه يقوم بها.

من أفلامي المفضلة، وإجابة على سؤالك، أدهشني من قبل أن قرأت أن جميع لغات الحب والتعاطف والغضب التي تتكون مع الإنسان وتبقى معه طيلة عمره، تتشكل وهو في سن 7 أعوام، فبالتأكيد تنعكس أي تجربة مؤلمة في التربية سواء قصيرة أو طويلة الأمد، عن ماهية علاقات الإنسان حتى البلوغ، وهذا يظهر أيضًا في مفهوم يسمى الـAttachment styles أنصح الجميع بالقراءة عنه.

ويكمن الخروج من تلك العجلة في أحيان كثيرة بالعلاج النفسي، وأحيان أخرى بإيجاد شريك مناسب يتحلى بالصبر وقادر على تطوير وعينا العاطفي.

بالطبع تؤثر طفولتنا تأثيرًا كبيرًا على حياتنا فيما بعد، سواء من الناحية الاجتماعية أو العاطفية أو حتى المهنية.

فمثلًا العلاقة بين الأب والأم التي نراها في طفولتنا تؤثر بشكل كبير على اختياراتنا في الارتباط في الكبر؛ فإذا كان هناك مشاكل بينهما فذلك قد يجعلنا نخاف من الارتباط والزواج عندما نكبر، أو إذا كان أحدهما يظلم الآخر فذلك قد يجعلنا ننظر إلى الطرف الأقوى ونتخذه قدوة ونمشي على خطاه عندما نكبر، أو نكرهه ونتعاطف مع الطرف الأضعف ونكره كل جنس الطرف الأقوى.

أما إذا كان التناغم بين الأبوين كبيرًا ونراه هكذا في طفولتنا فذلك يجعلنا نخرج أسوياء ليس لدينا أي خوف من الارتباط.

وننظر أيضًا إلى علاقتنا كأطفال بكل من الأب والأم على حدة، فإذا كان هناك أي مشاكل في العلاقة بالأب وحده أو بالأم وحدها أو بهما معًا فذلك يؤثر علينا بالسلب، أما إذا كانت العلاقة كبيرة وفي تناغم كبير بكل منهما فذلك يجعلنا نكبر ونحن أصحاء نفسيًّا.

وكذلك أي أشياء قد تعرضنا لها في طفولتنا سواء داخل البيت أو في المدرسة أو في الشارع.

بداية موضوع وطرح مميز جداً وأختيار ممتاز لفيلم أعشقه بكل طاقم العمل فيه لأن تجاربنا المؤلمة في الطفولة يمكن أن تؤثر كثيراً وبشكل كبير على قدرتنا على الثقة بالآخرين وبناء علاقات عاطفية صحية بعدة طرق فأنا أتذكر أننا كنا من طبقة فقيرة في طفولتي ونعيش في بيئة شعبية قاسية (رغم أننا أنتقلنا لمكان أفضل ويمكن القول أننا أنتقلنا للطبقة المتوسطة) ولن هذا التضارب خلق لدي مشاعر مشابهة لحداً كبير مما عانى منه بطل الفيلم حيث كنت في طفولتي وحتى سن البلوغ عانيت وأقراني في تلك المرحلة من إهمال، عنف، أو تقلبات عاطفية من قبل الوالدين قد أثرت في جعلنا ننظر إلى العلاقات بأنها غير موثوقة أو مؤذية ، ربما لم أكن محظوظاً بوجود طبيب نفسي حينها (رغم إحتياجي الشديد له بتلك المرحلة) لكن يمكن القول أن حبي الشديد للقراءة والكتابة والرسم كانوا خير علاج وأحياناً خير أصدقاء .. فأهرب لعوالم أخرى بعيدة عن العالم القاسي في تلك الفترة المضطربة من حياتي والتي كانت من الممكن أن تدمرني حرفياً وتقودني لمسارات مظلمة أو إجرامية ما يهم هنا ، أن أي شخص منا يمر بتجارب مشابهة عليه البحث عن طوق نجاة ... قد يكون طبيب نفسي أو صديق أو هواية يجيدها أو كتاب يقرأه تلك الأمور تساعد حقاً بشكل لا يمكن تخيله في أن يعود الشخص ليرسو لشاطئ الأمان .. ويستعيد ثقته بنفسه أولاً ثم بمن حوله والعالم لاحقاً رويداً رويداً .

اذا كانت الطفولة قاسية أو أي تجربة سيئة قد مر بها الإنسان من دون علاج وتحليل والتخلص من مشاعرها السلبية فإنه سيواجه مشاكل وصعوبات ليس فقط في إيجاد شريك الحياة بل في جميع جوانب الحياة.

لأسف لا أنكر أنه هناك من عانى في طفولته تحديدًا التي كانت أساسًا وقاعدة للإنسان من قسوة وضغط نفسي دون الاكتراث من حولهم، ثم يكبر ويواجه كل ما بداخله بمفرده، وبالعكس قد يلومونه بسبب تصرفاته التي سببها الأساس هي هم.

أعلم أن الحياة ليست خطوات وهيا نفذها بكل بساطة وستحصل على نتيجة، أو أنك تطهو الطعام هي خطوات ومكونات وستحصل على الطبق الذي تريده.

بل الحياة أصعب وقد تحتاج أحيانًا الخطوة الواحدة فترة طويلة لاجتيازها.

ولكنها مجرد قرار أن تقرر أن تمضي وتعالج أفكارك وتستعين بمعالج نفسي للمساعدة. وان يبقى بفكرك انها مرة واحدة ستعيش في هذه الحياة .

اقتنع تمامًا أن أي تصرف قد يصدر من الإنسان هو بسبب أما فكرة أو شيء انزرع بداخله في أي لحظة من عمره. (وليس كل تصرف معناها مبرر لما يفعله، ولكن قد يحتاج أحيانًا إلى السند للتخلص من بعض الأمور السلبية وليس اللوم والعتاب كأنه هو السبب أيضًا بما حدث له، وأعيد وأكرر أنه ليس مبررًا لكل الأمور)