في اختياراتي لما أريد أن أشاهده، نادرا ما ألقي بالا لطاقم العمل من الممثلين، ولكن الحال يختلف بالنسبة لروبين ويليامز، فمجرد دور ثانوي له في فيلم معين كفيل بإثارة فضولي للمشاهدة، كون جميع اختياراته لأعماله عميقة وهادفة. وفيلم Good Will Hunting هو بلا شك تحفة سينمائية استمتعت بمشاهدته وجعلني أسأل نفسي بعض الأسئلة.

يلعب روبين ويليامز في الفيلم شخصية معالج نفسي يحاول مساعدة شاب عبقري طائش على استغلال ذكائه، وفي طيات حواراتهم، يتحدث ويليامز عن ذكرياته مع زوجته الراحلة ومدى صدق الحب الذي عاشه معها، ويقول لذلك الشاب ذات مرة:"أنت لا تعرف شيئا عن الخسارة الحقيقية، لأن هذا يكون عندما تحب شخصا أكثر من نفسك.". ومع أن فكرة حب شخص أكثر من نفسنا ليست بالجديدة، فهي دائما موجودة في الأغاني وفي الأحاديث اليومية، ولكن لم ألقي لها بالا من قبل، فلا أعلم كيف من الممكن حب شخص آخر أكثر من حبنا لأنفسنا. فإن كانت مجرد مبالغة أو كناية عن شدة الحب، فهذا منطقي، ولكن ماذا عن من يقولها وهو يعنيها فعلا؟

فقد تبدو العبارة مقبولة في سياق حب الأم لأولادها، فهي تضحي من أجلهم وتحرم نفسها لأجلهم مهما أساؤوا لها أم لم يقدروا، ولكن هل هي صحيحة وواقعية في سياق العلاقة بين الرجل والمرأة؟ أنا لا أنكر وجود الحب الصادق وللامشروط، ولكن من يظن أنه يحب الآخر أكثر من نفسه، هو في الغالب يحبه لأجل السعادة أو كل الأمور الجميلة التي يعيشها بفضله، أم يكون متعلقا به بشكل مرضي حتى يصبح الموت بالنسبة له أسهل من الفراق، وفي الحالتين هذا ليس حبا. من ناحية أخرى، قد يكون السبب هو زعزعة ثقة بالذات وفراغ داخلي كبير فيصبح الطرف الآخر قادر على إسعادنا أكثر من أنفسنا. 

وأنا أعلم أن كثر يخالفونني الرأي، بل وقد يعتبرون حب الشخص الآخر أكثر من النفس علامة على الحب المتين والحقيقي، مع أنني أؤمن العكس، فأكثر شخص قادر على الحب الصادق هو من يحب نفسه أولا ويعززها. فهل تستطيعون حب شخص أكثر من حبكم لأنفسكم؟ وهل تصدقون من يقول ذلك أم تعتبرونه يحتاج إلى فهم مشاعره بشكل أكبر؟ ومن جهة أخرى، ألا يمكن أن تصبح العلاقة سامة إن زاد حبنا للشخص الآخر عن حبنا لأنفسنا فعلا؟