منذ سنتين كانت لي أول قراءة لكتاب مبهمة وغريبة، صعبة ومنهكة، لم تكن لذي أي فكرة عن كيفية قراءة كتاب ما وتخزين بنسيان أقل من المتذكر ما فيه، وهذا أمر في الحقيقة لم يجعل من القراءة عادة قانطة ومكروهة لي أثنائها، فلقد توغلت في سطور الفقرات والصفحات بدون بوصلة لوجهة غير محددة في نهاية الكتاب، وهذا كما أدركت منذ مدة بعيدة ليست كثيراً أنها الوضع الطبيعي للقراءة؛ مواجهة المجهول مع شخصيتك الحالية، بلا أي خوف من توابع المواجهة – إن كانت موجودة – في الصفحات.
فمنه، رغبت أيها القارئ العابر – وإن شئت لك الحق في الدوام إن استطعت – أن أشارك معك هذه التجربة التي استخلصت منها بعد تذكري لمجرياتها تحليلياً المعرفة والخطوات التي لربما قد تكون لك إحداها حلاً لأحد المشاكل اللانهائية.
بماذا عليك أن تبدأ؟
عندما بدأت أول قراءة لكتاب مازلت أتذكر أحداثه بتسلسل واضح ومتماسك، اخترت أن تكون رواية، وليس لأني من محبيها – والحقيقة تقال -، بل لأن ذلك ماكنت أعتقد أن الكتب عليه في الأصل. فالرواية أيها القارئ الغريب كانت معنونة للكاتب والمؤلف "الخيميائي – باولوا كويلوا"، تحكي عن راع إسباني زارته رؤية في منامه عن كنز يوجد بجانب أهرامات مصر، فيصمم على الذهاب من أجل التفقد إن كان هنالك، وأثناء رحلته يعايش بطل الرواية عدة ظروف منها القاسية التي كانت كعوائق للهدف المراد، والمفرحة كبلوغه النهاية التي كانت جد مفاجئة للقراء كما للبطل بنفسه. وفي حدود اعتقادي، أرى أن تلك القراءة كانت نافعة مثمرة على شخصيتي حتى أتمكن من استيعاب – والذي يعني كمصطلح نفسي إضافة شيء مجرد للذاتك – والتي هي في تعريفها كل ما يكوِّن نظامك المجرد – كسمة فاعلة في تواصلك مع الواقع – القيم التي سأتمكن من تقوية نفسي بها. وعليه، من الممكن تؤيل أن القراءة الروائية التي يكون فيها الشخص الرئيسي يصارع ظروف واقعه من أجل تحسينه، لهي بحق أعلى ما بإمكاني أن أرشح لك الانفتاح عليه إن كنت مبتدئاً في القراءة. فدماغك اللاوعي سيقوم باستذماج – تبني سلوكيات محددة – الدوافع التي جعلت بالبطل يتخذها من غيرها من التصرفات اللانهائية، وبالطبع فإن تلك التصرفات ستكون مفيدة ومؤثرة على نحو إيجابي في شخصيتك حتى تساهم في تطوير الجوانب التي ستحتاجها حتى تبلغ ذاتك المستقبلية.
كيف تقرأ؟
بعد تحديدك للرواية التي ستقرئها، فإن لك عدة نقاط أساسية أرى أنه من الضروري عليك أن تتصورها في خطواتك المستقبلية:
وقت القراءة؛ والتي هنا لا تعني الوقت الإجباري الذي عليك أن تنهي فيه القراءة قبل ترك الكتاب الذي دفنت فيه وجهك وأصررت على ألا تتركه إلا بعد نهاية المدة التي حددتها. الوضع ببساطة أن تبدأ في وقت تكون فيه القراءة نشاط جانبي لا يتطلب الكثير من الجهد الذهني للاستمرار فيه. كما أنه لا بأس بالمعدل الذي تقرأ به في اليوم، العظيم في الأمر أنك تقرأ.
مكان لها؛ مثل المكتبة التي تعد من جنات القراء، أو مكان يتسم باحتمال ضئيل أن تتم مقاطعة قراءتك، وإن أمكن بعض الأصوات الطبيعة اللطيفة بنعومة، بعكس الصراخ والضجيج كمثيل القادم من عند أولاد الجيران الذين يرقصون الفلامنغو فوق سقف منزلك.
تماهى مع الرواية؛ أي بمعنى أن تصبح شخصية في الرواية والذي ليس بالدور السهل إن أسأت اختيار الشخصية التي قد تناسبك فيها، وهنا أرى أنه بإمكانك أن تعرف أيهما المناسبة عبر قراءة ملخص سريع للرواية التي تريد أن تعايشها عبر قرائتها.
ركز بالموسيقى؛ أسلوب منتشر وقوي في المساهمة بجانب عدة عوامل ذاتية للمحافظة على دفة تركيزك موجهة نحو النشاط في الأن (الحاضر). قد تظن أيها القارئ المحترم(ة) أن أي نوع من الموسيقى سيكون ملائم لكذا غرض، ويؤسفني أن أقول "نعم"، لهذا ف "لا" هي الجواب – لا علاقة لأسفي بذاك الأخير -. ومنه، أرشح لك النوع الهادئ والمتناغم كمثيل الكلاسيكية، أو المقاطع ذات العزف الأحادي (الغيتار، التشيللو، الكمان...)، أوصيك بتجريب عدة منها أثناء النوم – لأن الحالة التي ستكون عليها تطلب الهدوء ودماغك سيعرف الخيار الأصح إن أطلق أمامه – حتى تحسن الاختيار.
بعد القراءة؟
من الجيد أنك وصلت في القراءة إلى هذه المرحلة، وهذا لأنها ستطرح ظرف معقد بنحو بسيط لك حتى تتمكن من تجنب ما كان سلوكاً فاسداً لي وللكثير من الناس فيه.
قد يصعب عليك أن تطبق الآتي في الميدان الواقعي إن كنت ذو شخصية تفضل التفرد والانعزال عن وسطك بحيث أنك ترى أنه لا يساهم في بناء الذات التي تريد أن تبلغها، ولذلك فإن مني لك اقتراحاً في الأخير. وبالنسبة للفئة المنفتحة الواسعة المرنة التي ليس لديها مشكل مع وسط كمثيل الذي يحزن الذات المنعزلة، فمناقشة ما تم قراءته وتعلمه من الرواية مع أفراد عائلتك – إن كانوا يقرؤون، وإن "لا" فلما لا تريهم هذه المقالة، قد تفيدهم – أو أصدقائك، أساتذتك، وحتى زملائك في المكان الذي يجمعكم، بل وحتى من الممكن أن تنخرط في حوار شيق مع أحد عابري السبيل – شخص مار من أحد جوانب محيطك – عن ما قرأت، والذي قد يبدوا غير عملي قليلاً، فقط إن لم تحسن سرد ما تستحضره من الرواية، عندها قد ينفر منك عابر السبيل ذاك ويغادر، بعد أن يلطمك في وجهك قبل ذلك.
أما بالنسبة للفئة المنعزلة بتفردها ذو الطواعية النسبية، فإن القيام بمشاركة على الميدان الافتراضي (الانترنت) كفيلة بتثبيت ما قرأته في ذهنك وغرس جذوره في أعماق بنيتك السلوكية (اللغوية) – سيحدث لك بلاوعي بعد المشاركة إن وُجد أنه يوافق الفئة التي شاركتها معها، ونالت استحسانها – فيصبح جزء أساسي من شخصيتك التي تسعى لتطويرها في تلائم مع النموذج المستقبلي لها.
يلي ما سبق، بحثك عن قراءتك التالية التي ستكون متوافقة مع النوع الذي فرغت من قراءته إن أعجبك، فإن "لا" عليك أن تتعرف على الجنس الروائي الأدبي الذي ترى أنه سيكون فيه انعكاس كبير لحياتك – بمعنى هل هي غامضة، تاريخية، من الإثارة نفسية، أو مطاردة بوليسية عليك، قاتل متسلسل، أو تعيش في عالم من الخيال المخالف للواقع – على أحد الأبعاد الشخصية كمثيل الاقتصادية، أو الاجتماعية، ربما العاطفية، وقد تكون الوجودية...وغيرها. كما أنه تجذر الإشارة إلى أنه ليس بالضروري أن تلتزم بنوع واحد في قراءتك، من المفيد أن تنوع وتنفتح على مختلف الأجناس الأدبية، حتى ترقي من سقف موسوعيتك المعرفية.
التعليقات