لا يبردُ تعجّبي من الامتحانات الشفهية الارتجالية، تلك التي تتواجه فيها مع الطبيب وجهًا لوجه، تشعر أنّ العدالة تغيب في هذا اللقاء، استشاري خبير متمكن، وطالب يكاد قلبه أن يخرجُ من صدره، خوفًا لا صبابة. 

امتحان غير متوقع

كنتُ أتوقَّع أن يكون امتحاني الأحد، وهذا محدَّد من بداية دخولنا لمقرّر النسائية والتوليد، والأحد يوم سهل فيه أطبّاء ودودون. لكنِّي اكتشفتُ أخيرًا أنَّ الأحد عطلة لعيد المسيح، وكان على امتحاني أن يزحف للأثنين.

يوم الأثنين مخيف، فيه طبيب يلتهم الطلّاب أسميِّه تورية بالثعبان، وطبيبة أخرى تبدو لطيفة في المحاضرات، لكنِّها تفترسك أيضًا عند وقت الامتحان. والثالثة هادئة لطيفة تُكرم بالدرجات يقولُ فيها المتنبي: "كسائله من يسأل الغيث قطرة"

فزعتُ لخبر العطلة، لدّي احتمالية 2/3 أن أتعرَّض لمكروه، حتّى سرّني نبأ وقوع اسمي عند استشارية الكريمة، وصار غيري عند بقيّة المفترسين.

طلّاب حيارى ينتظرون الثعبان

جاء يوم الإمتحان، فتفحّصتُ في وجوه الطلّاب الذين يمتحنهم الثعبان، وجدّتهم حيارى وجلين، تتلفَّت عيونهم كما لو أنّها رُكّبت على زئبق. 

خرجت أملحُ طالبات المجموعة من الثعبان مبتهجة، تقولُ أنّه قيِّمها بكلمات مثل "عظيم.. ممتاز!" وقد تعجَّبتُ إذ أعرف أنّها ليست على مستوى عال من الحرص والدراسة، فقلتُ في نفسي: إيه يا ثعبان! حتّى أنت أصبتك المليحة، ماذا أبقيتَ لنا، أين هيبتك؟! لكنِّي اكتشفتُ بعد سؤالها أنَّ الثعبان كان قد سألها اسئلة صعبة كعادته، لكنّها أجابت. مِلتُ لفرضية أخرى، تلك المليحة هادئة الطباع، باردة لا تكادُ تأبه بأيّ امتحان، هكذا ينجو الطلبة من الثعبان، أن لا يُشمّموه رائحة خوفهم! 

خرجت طالبة أخرى منه تبكي، حصلت على صفر، وأخرى تقول أنّه وصفها بالسوء، فعرفتُ أنَّ الثعبان لا يزال سامًا لمن يخافه.

على ذكر الخوف والتوتّر، كانت أكثر الطالبات نباهة في مجموعتنا قلقة، وهدّأها صديقي بحبِّة بروبانولول، أخبرتنا بعد فترة أنَّ الحبَّة جاءت بمفعولها! عُرضَت عليََ هذه الحبَّة فرفضتها، لي سُمعة حسنة في أرجاء الكلّية، أيُقال حمزة استعانَ على قلقه بالمهدّئات؟ وليتني استعنتُ ويأتيكم السبب.

حان دوري

تجهّزتُ لامتحاني، كانت مريضتي التي أسألها عن التاريخ المرضي مرتَّبة. تحتفظ بكلّ السجلات والفحوص، حساب دورتها الشهرية كان بأيّام سهلة بالرياضيات، لم تُنجب بعد وحامل بتوأم، أمور يتمنّاها كل طالب يمتحن في نهاية فصل النسائية. 

"هل تدخّنين يا خالة؟!" 

— أتريده أن يذبحني! 

لا شي فيه إثارة، أجوبة سمعتها كثيرًا، يوم آخر تخافُ فيه العراقيات من بعولتهنَّ، لكلِّ واحدة ثعبان في بيتها.

ليتني تناولت البروبانولول!

حسبتُ يوم ولادتها، وعمر جنينها، ثمَّ دخلتُ على الطبيبة الكريمة التي تمتحني، اكتشفتُ عندما جلستُ عندها أنّي حسبته بشكل خاطئ، كتبتُ 37 وهي 27 اسبوع حمل، عندما تكون متوترًا، فطرح 13 من 40 يصبح مهمّة عسيرة. 

— "دكتورة.. ثواني بس عندي شغلة هسه أجي" 

— " خير؟! عندك امتحان" 

— "دكتورة أريد أروح للحمام"

لم أتخيِّل أنِّي سأتحجّج بحجة طالب ابتدائية، حسنًا، لا أستطيع أن أعدِّل عمر الجنين وأعيد حسابه إلّا بحجة الحمام. خرجتُ منها وعدّلت الرقم وعدتُ بسرعة. ليتني أخذتُ حبة البروبانولول! 

— "خلصت؟!"

— " اي شكرًا.. نبدي."

ثمَّ مضى الأمر على خير، عذَّبتني قليلًا عندما أرادت مضاعفات الحمل بتوأم، عدّدتُ كل شيء إلّا الذي في رأسها: 

— " ضغط.. سكّر.. تقيؤ أكثر.."

— " بعد شيصيرلها؟!"

— "يموت الجنين، يصير بيهم مشاكل"

— " وبعد؟! بس هذني؟"

—"مشاكل تغذية.. انتفاخ وتورم رجلين.. تتعب، حقها شايله ثنين!"

— "بعد أكو شي مهم!"

— " فقر دم!" 

— "اييه! كولها من زمان"

أعيذك أن تمتحن عند طبيب، لا يريد من الدنيا إلّا الكلمة التي في رأسه!"

فحصتُ لأول مرة

ثم أدخلتني على حامل لأفحصها، لم أفحص حامل في حياتي، هل ترون كيف يهجم علينا حامي الحِمى البعل العراقي عندما نريد أن نأخذ التاريخ المرضي من زوجته؟! ترونه ماذا سيصنع لو قلت دعني أتحسس بطن زوجتك؟ كنّا لا نفحص أبدًا، نتحجّج بأنّنا رجال ولن نتخصّص بالنسائية على أية حال.

جرَّبت الفحص على أخي المسكين ليومين قبل الامتحان، في كلِّ مرة أدعوه -بعد شرب الماء- ليتمدَّد، أكشف بطنه وأقول له احبس النفس! لعلِّي أصل ببطنه لبطن الحامل ولا فائدة.

حين دخلتُ على الحامل الحقيقية، كانت بلا حول ولا قوّة حين أقنعتها الطبيبة بأن يفحصها حمزة، حاولتُ تخفيف الأمر عنها، عرفتُ أنَّ اسمها بسمة، أخبرتها بما يُقال في مثل هذه المواقف: 

— "بسمة راح أفحص بطنج، والفحص يتضمّن كشف المنطقة، ما المفروض يأذي أو يضوّج، بس أي شي يصير عندج كليلي. والدكتورة يمنا لتخافين مارح أفحص غلط :)"

بدأتُ بفحص بسمة وجنينها، علمتُ أنّها في الأسبوع الثلاثين بعد حركة سريرية معيِّنة نقوم بها. 

هناك بعض المشاكل التي تواجهك في الفحص الحقيقي لا تكون على البال والخاطر، من ضروريات الفحص أن تعلم هل هذا أثر لعملية جراحية سابقة على البطن؟ 

رأيتُ أن على بطنها أثر ما، أردتُ أن أقفز وأقول: أثر عملية قيصرية سابقة!" لكنِّي اكتشفتُ بعد تفكير سريع أنَّ هذا الأثر هو الحزِّ الذي تصنعه البيجامة على الخصر. نجوتُ والحمد لله!

بقيّة الامتحان مرَّت على خير، وأطرت الطبيبة معلوماتي، ثمَّ خرجتُ وهذا أقل امتحان سريري تعرَّضتُ فيه للخسائر. والحمدُ لله ربّ العالمين!