أنا سامي موظف كبقية الموظفين أحاول دوما ألا أجعل ضغط العمل يؤثر على حالتي المزاجية وعندي عقيدة أن العمل يتوقف فور بدأ الاستراحة، لقد انزعجت من فكرة ملاحقة العمل لنا حتى أثناء استراحة القهوة حيث يعمد بعض الزملاء فتح نقاشات متعلقة بمهام العمل وهذا ما زاد انزعاجي ولكسر هذه الحلقة، طلبت من الزملاء التوقف عن الحديث في مثل هذه المواضيع ونتحدث في أمور خارج مجال العمل، ونجت هذه افكرة.
في احدى المرات وأثناء استراحة القهوة كنتُ أشاركُ في نقاشٍ هادئٍ حول موضوعٍ شائك، أُعبّرُ عن وجهة نظري بوضوحٍ ودون تحيّز، مستندًا إلى حقائقَ وأدلةٍ دامغة. سادَ الاحترامُ المتبادلُ في بدايةِ النقاش، وتبادلنا الأفكارَ بروحٍ من الانفتاحِ والسعيِ إلى الفهم.
لكن سرعانَ ما تحوّلَ مسارُ النقاشِ بشكلٍ مُفاجئٍ، عندما بدأ أحدُ المشاركينَ يُلقي بوجهة نظري عرضَ الحائطِ، مُتجاهلًا الأدلةَ التي قدّمتُها، ويُركّزُ بدلًا من ذلك على مهاجمتي شخصيًا. اتّهمَني بِالتحيّزِ والمغرضيةِ، دون أيّ دليلٍ يُثبتُ ادّعاءه. استخدمَ لغةً مُهينةً وسخريةً لاذعةً، مُحاولًا التقليلَ من شأني وإضعافَ موقفي.
لم أُفاجأْ بهذا التحوّلِ، فقد لاحظتُ مسبقًا ميلَ بعضِ الأشخاصِ إلى تحويلِ النقاشاتِ الموضوعيةِ إلى ساحةِ معركةٍ شخصيةٍ، عندما يشعرونَ بأنّ حججَهم ضعيفةٌ وغير مُقنعةٍ. وبدلًا من الردّ على حججي بِحججٍ مضادةٍ، يلجأونَ إلى الهجومِ الشخصيّ واستخدامِ المغالطاتِ المنطقيةِ، مُحاولينَ إسكاتَ الصوتِ المُخالفِ وإثباتَ "صوابهم" بأيّ ثمنٍ.
في هذهِ المواقفِ، أشعرُ بالإحباطِ الشديدِ، فبدلًا من التقدّمِ في النقاشِ وفهمِ وجهاتِ النظرِ المختلفةِ، نجدُ أنفسنا مُنجرّينَ إلى صراعٍ عبثيٍّ لا طائلَ منه.
أُدركُ أنّ التغييرَ صعبٌ، وأنّ بعضَ الأشخاصِ مُتمسّكونَ بِأفكارهم المُسبقةِ، رافضينَ أيّ حوارٍ أو نقاشٍ موضوعيّ، لكنّني أؤمنُ بِأهميةِ الاستمرارِ في المُحاولةِ، فكلّ نقاشٍ، مهما كانَ قصيرًا أو مُحبطًا، يُمكنُ أن يُساهمَ في تغييرِ بعضِ الأفكارِ وفتحِ آفاقٍ جديدةٍ للتفكيرِ، أُحاولُ الحفاظَ على هدوءِ أعصابي وصبرِى، مُستخدمًا لغةً واضحةً ومُقنعةً، مُدعمًا حججي بالأدلةِ والحقائقِ.
أُدركُ أنّني لا أستطيعُ إقناعَ الجميعِ، لكنّني أسعى جاهدًا لتقديمِ وجهة نظري بِشكلٍ مُحترمٍ ومهذبٍ، مُؤمنًا بِأنّ الحوارَ البنّاءَ هو السبيلُ الوحيدُ لفهمِ بعضنا البعضِ والتوصّلِ إلى حلولٍ مُشتركةٍ للتحدّياتِ التي تواجهُنا.
أُدركُ أيضًا أنّ بعضَ النقاشاتِ ليست مُجديةً، وأنّه من الأفضلَ الانسحابَ منها بدلًا من إهدارِ الوقتِ والجهدِ.
لكنّني أُؤمنُ بِأهميةِ الاستمرارِ في المُحاولةِ، فكلّ نقاشٍ، مهما كانَ قصيرًا أو مُحبطًا، يُمكنُ أن يُساهمَ في تغييرِ بعضِ الأفكارِ وفتحِ آفاقٍ جديدةٍ للتفكيرِ.
فهل يكون الحل الأنجع الانسحاب من النقاشات غير المُجديةأم الاستمرار في المحاولة مهما كانت النتائج؟ متى و أين يكون ذلك؟
التعليقات