لطالما كنت أرى أن القدرة على إيصال المعلومة هي موهبة لا يمكن للجميع أن يتحلى بها حتى وإن كانوا على فهم عميق للمعلومة، ولهذا في مهنة كمهنة التدريس أو لمن يقع على عاتقه شرح أي منهج أو بناء أي فكر لدي الآخرين لا يمكن للجميع أن يكونوا ناجحين في هذه المهمة، والتمست هذا أكثر في مرحلتي الجامعية عندما وجدت بعض من أساتذة الجامعة يعانون من هذه المشكلة رغم ما يمتلكونه من علم، ولكن عمليا أنت مهما حاولت لن تفهم منهم شيئا، وكم كنت أتذكر عندما كنت سريعة الفهم لأي درس أو معلومة أتلقاها قبل مرحلة الجامعة بفضل معلميني، وكم أصبحت الآن أعاني لأفهم ما الذي يريده أستاذي لكي نعرفه، لهذا أنا أرى وبقوة أن مقومات المعلم الناجح لا توجد عند الجميع مهما امتلكوا من علم، فماذا عنكم؟
مقومات المعلم الناجح هي مهارات يمكن تعلمها أم موهبة فطرية لا يمكن للجميع أن يتحلى بها؟
أتفهم معاناتك لأننا مررنا بهذه المرحلة أيضا! المشكلة ليست في أسلوب شرح الأساتذة الجامعيين، بل في عدم إدراك الطلاب لاختلاف أهداف المراحل التعليمية. الطالب لم يعد طفلا بل إنسانا راشدا عليه تحمل مسؤولية فهمه وبحثه عن المعلومة.
في التعليم الأساسي والثانوي، يعتمد الطلاب على التلقين المباشر، هو مجبر على الالتزام بمناهج محددة تقرها وزارة التعليم ويطبقها باستخدام أساليب تعليمية واضحة درسها في كلية علوم التربية.
أما في المرحلة الجامعية، فالأمر مختلف, العملية التعليمية تصبح أكثر حرية وتفاعلية. الأستاذ لم يعد المصدر الوحيد للمعلومات وهو لا يتلقى كتبا من الوزارة تفرض عليه أسلوبا تعليميا, بل دوره يقتصر على الإرشاد. يتوقع من الطالب كإنسان راشد، أن يتحمل مسؤولية تعلمه بالبحث والتعمق الذاتي.
بل في عدم إدراك الطلاب لاختلاف أهداف المراحل التعليمية. الطالب لم يعد طفلا بل إنسانا راشدا عليه تحمل مسؤولية فهمه وبحثه عن المعلومة.
ومن السبب في عدم إدراك الطالب هذا؟! عندما تضع نظام يعتمد على الحفظ والتلقين وتفرضه على إنسان من مرحلة طفولته حتى شبابه حتى يصل لسن ١٨ تقريبا بدون اكسابه أي مهارات أخرى كمهارات البحث أو حل المشكلات أو التفكير النقدي أو التحليل والاستنتاج أو العرض والاقناع أو التواصل والتعاون، ومن ثم ترميه في بيئة بنظام جديد كليا يعتمد على كل هذه المهارات أليس هذا ظلما واستخفافا بأهمية التعليم!
أتفق أن مقومات المعلم الناجح لا توجد عند جميع من يمتلك العلم، ولكن اختلف في كونها موهبة في المقام الأول، بل في رأيي هي مهارة، ومهارة التدريس أو الشرح تشبه في مكوناتها كثيرًا مهارة الحكي أو الـ"Storytelling" وتلك مهارة يمكن تعلمها واكتسابها، سواء بدورات تدريبية أو بملاحظة الأساتذة المتميزين ومحاكاتهم، ورغم ذلك فإن مهارة التدريس وحدها غير كافية لصنع معلم أو أستاذ جامعي متميز، بل عديد من المهارات الاجتماعية الآخرى تتناسب عكسيًا مع المستوى الدراسي، فمثلًا المعلم في المرحلة الإبتدائية يحتاج لمهارات اجتماعية أكثر من الأستاذ الجامعي، نظرًا للعُمر الحرج الذي يتعامل معه.
أنا لا أرى بالأمر مقومات بقدر ما أرى أنه ينتج عن أسباب عملهم بهذه المهنة، من اختار المهنة سيكون مبدع بها لأنه هنا يعمل بحب ويجتهد لتعلم ما ينقصه، ولكن للأسف قليل من الذين يعملون بها اختاروا بدافع الحب والإعجاب بهذا المجال.
هناك من عمل مضطر بسبب مجموع كان سبب في دخول هذه الكلية، وهناك من عمل بحثاً عن أي وظيفة توفر استقرار مالي فقط، وهناك من عمل تلبية لرغبة الأسرة أو المحيطين، هؤلاء يعملون دون النظر في النتيجة والتأثير، وهذه كارثة بكل ما تحمل الكلمة من معنى
هذه نقطة مهمة بالفعل اسلام، بالفعل للأسف مهنة المعلم غير مقدرة على الإطلاق في مجتمعاتنا ولا أحد يسعى لها عن طيب خاطر وهذه كارثة بالفعل أثرت بالفعل على التعليم وكذلك التربية لأنها اختذلت دور المعلم على ناقل وملقن للمعلومات وتغافلت عن عمق الدور من كونه في الأساس مربي يشارك في تنشئة الطفل وفهمه ومساعدته على حل مشكلاته وتعليمه القيم الإنسانية المختلفة وهو ما مفترض أن يكتسبه من خلال احتكاكه في بيئة المدرسة، وكذلك دوره كمعلم من حيث قدرته على إعداد جيل يفكر ويبحث عن حلول من خلال مختلف المهارات التي من المفترض أن يكتسبها من خلال مناهج موضوعة على أسس علمية وتربوية، فكيف برأيك يمكن إعادة المعلم لدوره الحقيقي؟
التعليقات