الحرب هي ذاك الحدث الذي يُعرفك بشكل واضح وصريح، أنه من السهل جدًا ان تتحول من مواطنٍ إلى لاجئ!

هكذا مسافة حرف جر، جرة قلم وينقلب مصيرك ..

إنك كمواطنٍ مهما كان تخُلف جواز سفرك، فإنك تمر في المطارات دون مشاكل تُذكر، وليس إطالة النظر في باسبورك أو تأخر ختمه بمشكلة أبدا، ثم إنك كمواطن تقدر أن تظل في بلدك متكيفًا مع الخراء اليومي الذي يُقدمه لك الوطن، لكن الحرب تقذفك في أُتون الجحيم أو اللجوء،وما اللجوء إلا جحيمٌ آخر..

تصبح المطارات التي تذمرت من تأخرك فيها يومًا مُحرمة، تمارس الهرب والتخفي في كل صوره، تتعرف إلى طرقٌ جديدة له، كأن تصير كخراف مجمدة تُشحن عبر الحدود، أو تقطع الفيافي والقفار سيرًا كأنك عدت وحدك لعهد ما قبل الركوب! 

وإن حالفك الحظ وتمكنت من الإنتقال عبر مطار، قد لا تتمكن من تجاوزه وإن جاوزته ستقرر ألا تعيد الكرة لوطأة الضغط العصبي الذي يُصدعك..

أن تكون لاجئا يعني أن تتحول لزائد عن الحاجة، لنفاية تُمررها البلاد فيما بينها، فيروس مفاجئ تتنصل الدول منه، لإضافة اضطرارية غير مرغوب فيها في خطابات الزعماء، وفي المحافل..

يعني أن تكتشف ذات فجأة أن مجرد تسمية جديدة قد تُمحي كيانك الإنساني والروحي وتصير شيئًا لا كائنا ! 

ثم... تتولد الحرب من ثورة شعبية أو انقلاب، أو فتنة طائفية أو حتى مقتل بعرة قومٍ ما، النتيجة دومًا واحدة بغض النظر عن المُسبب..

اللجوءُ كنزول آدم من الجنة، مطرودُ مغضوبٌ عليك وعلى نسلك، أن تعرف المعاناة للمرة الأولى، وترافقها طول العمر أنت وذريتك! 

ثم تطوف بلادًا لا تشبه وطنك، رغم أن هذا الوطن كان خرائيا بالأساس، وتخالط ناسًا لا تشبه أهلك الدافئين رغم كسوتهم البالية ! 

يمكنني القول أن اللجوء وحده يمكن أن يُغذي قريحة الشعراء والأدباء وكل المبدعين لخصوبته فمن المستحيل أن تتشابه قصة أو مشاعر لاجيء مع غيره، وربما لذلك يحرص صانعو القرار على إنتاج المزيد من اللاجئين حفظًا للإبداع البشري من الإنقطاع!