المشكلة ليست في الصعود، إنما هي في الصبر على السقوط.  

التعافي من آثار أي مشكلة في الحياة يتشابه بشكل كبير مع تسلق الجبال الحر،

حيث يقدم المتسلق على صعود الجبل دون حبال أو أدوات مساعدة، وهي عملية خطيرة لا يقدم عليها إلا المغامرون، وغالبًا ما يكون أسفل الجبل بحرًا أو نهرًا حتى إذا سقط المتسلق لا يموت.

يبدأ الأمر بوضع مسحوق يمتص الرطوبة على اليدين حتى لا تنزلقان عند التمسك بالصخور، ثم يعلق المستلق إحدى يديه بإحدى التجاويف الصخرية ويقوم برفع جسمه بالكامل من خلال التحميل على يديه ودعمها بقدميه. 

وهي أولى مراحل التعافي التي أسميها مرحلة الحماسة، التي يكون فيها المتعافي في غاية الجهوزية للتخلص من مشكلته، وعلى أتم استعداد لتصحيح مسار حياته، وأول ما يشعر به المتسلق في تلك اللحظة هي قوة الجاذبية التي تضغط على أعصابه وعضلاته حتى تسقطه، لكنه في تلك الحالة يكون في أفضل حالاته مشحونًا بالطاقة اللازمة للإقلاع. 

وعندما يتمكن المتسلق من تخطي بضعة أمتار تزداد صعوبة الصعود بسبب الحمل الذي يزيد على الجسم كلما ارتفع المتسلق عن سطح البحر، فهناك فرق بين القوة والتحمل:

القوة هي: مقدار الجهد العضلي الذي يمكن للعضلة أن تبذله في وقع معين. 

أما التحمل فهو: مقدار الضغط الذي يمكن للعضلة تحمله لأطول وقت ممكن. 

وكلما زاد الوقت ضعفت قدرة التحمل لدى عضلات وأعصاب المتلسلق، وهي المرحلة الثانية من التعافي والتي أسميها المواجهة،

حيث يواجه المتعافي أعراض إنساحبه من مشكلته سواء أكانت عضوية أو نفسيه أو اجتماعية، فالأعراض دائمًا ما تبدأ بسيطة حتى تتفاقم ثم تنتهي وتتلاشى مع الوقت، 

لكن مشكلة التعافي الحقيقة لا تبدأ في إحدى المرحلتين السابقتين بل من المرحلة القادمة؛

بعد التسلق لارتفاع كبير يبدأ المتسلق في الاحساس بالتعب، ومع عدم وجود حبل داعم له لا يمكنه من الاستراحة، وفيما يضع قدمه على صخرة ظنها ثابتة تزل قدمه فجأة، وبسبب الضغط النفسي والتعب المتزايد تهتز في داخله كل قناعاته عن الزصول للقمة لتبدأ المرحلة الرابعة التي أسميها الزلل، وفي تلك المرحلة يواجه المتعافي أولى أخطائه بسبب قوة الضغط النفسي والتشتت الذي يشعر به. 

وبينما يحاول المتسلق أن يعيد إلى نفسه التوازن ويرفع قدمه المتهاوية لكي يستند إلى صخرة أخرى فتهوي به الصخرة التي كانت تسند القدم التي كانت ثابتة، لتتهاوي كلتا قدميه ويسقط عن سفح الجبل. 

وهي مرحلة السقوط أو الإنتكاسة كما يسميها البعض، وتلك المرحلة التي ينهار فيها كل شيء فجأة، ويشعر المتعافي فيها أنه لا يمكنه العيش بدون ما كان يحاول التعافي منه، فيعود إليه دون التفكير في العواقب، وهذه هي السمة التي تفرق المدمن عن أي حالة أخرى، إذ أنه يستمر في الإدمان حتى لو دمرت حياته كلها بسببه، لأنه لم يعد يدرك عاقبة ما يفعل، ولم يعد يفكر بعقلانية أبدا، كمن يسقط من الهاوية لا فرق عنده إن سقط على صخرة أو شجرة، لأنه يعتقد أن أمره أنتهى في كل الأحوال، لكن هذه ليست النهاية. 

يرتطم جسد المتسلق بالمنحدر الجبلي لبتدأ مرحلة الإنزلاق بعد السقوط، حيث يفقد المتسلق كل سيطرته على جسده، ويدخل في حالة من الاستسلام واليأس ظناً أن هذه هي نهايته، متعرضًا لكم من الإصابات والجروح مع كل دحرجة في طريقه للهاوية، 

وهذه هي مرحلة الأنزلاق في رحلة التعافي وهي المرحلة التي تعيد المتعافي إلى نقطة الصفر وتهدم كل ما أنجزه ويظل فيها المتعافي يكرر الانتكاسات ويغرق فيها مرارًا دون أي وعي، حتى يصل إلى المرحلة الخامسة. 

بعد تجاوز المنحدر يصل المتسلق إلى الهاوية ويسقط بسرعة حتى يغطس في الماء، فيستفيق على تلك الصدمة ليجد نفسه يسبح مع الأسماك، فيحرك نفسه لكي يصعد وفور خروجه من الماء يتحسس جروح جسده ثم ينظر إلى الجبل، وينزوي إلى ركن ظليل لتنهمر دموع الصدمة من عينيه، كونه لا يصدق أنه ما زال حيا وأنه فقد كل تقدمه في لحظة واحدة. 

وهي مرحلة القاع في التعافي حيث يرتطم المتعافي بنفس الأسباب التي جعلته يفكر في التعافي من الأساس، فيستفيق من جديد وينظر إلى كل الوقت الذي ضيعه وحجم الإنجاز الذي فرط فيه، فيزداد عمق جرح روحه، ويقسم على الوصول إلى القمة من جديد. 

أما المرحلة السادسة من التعافي فهي لا تحدث إلا بعد تكرار المراحل السابقة مرارًا حتى يتعلم المتسلق من كل جرح في جسده درسًا يؤهله لتجنب أسباب سقوطه السابقة، فإذا فعل يصل في إحدى تلك المحاولات إلى القمة، وهي مرحلة تجاوز الخطر في التعافي فالخلاص من عادة سيئة لا يكون بتركها لمدة محددة، إنما يكون التعافي منها مرهونا بعدد أيام فقط عندما نريد التخفيف من حدة آثارها على العقل، وتعزيز قدرة الجسم على مقاومتها، ولكن التعافي الحقيقي يبدأ من تكوين عادات جديدة خير منها لكن الوصول إلى القمة لا يعني النهاية إنه فقط مقدمة لقصة أطول. 

فعندما يعتلي المتسلق قمة الجبل يبصر على مد بصره سلسة جبلية كل جبل فيها أطول من الذي أمامه، وتبدأ هنا رحلة المتعافي والمتسلق الحقيقية في تكرار كل تلك المراحل السابقة لبلوغ قمم أعلى وأكثر صعوبة، بالتأكيد ليس على المتعافي السقوط في الهاوية في كل مرة، بل ويمكنه تخطى الأمر من مرحلة الزلل، لمن إن حدث وأكمل طريقه إلى القاع عليه أن يعود إلى الم حلة السادسة فإءن نجح في مهمة الوصول يكون قد وصل إلى آخر مرحلة في التعافي ألا وهي مرحلة التحرر والاستدامة،

حيث يظل المتعافي محافظًا على كل عاداته الإيجابية الجديدة، وعلى حذره المستمر من الوقوع في دائرة الإدمان من جديد، ويحاول أن يبني لنفسه أسلوب حياة أفضل مما كان عليه هذا لأن التعافي عملية مسمترة. 

ولذا علينا دائما أن نتذكر أن المتعافي كمن يمشي على الحبل تمامًا، مهما بعدت المسافة بينه وبين منصة الانطلاق، فهو على بعد زلة قدم من السقوط.