النسخة الصوتية العفوية من المقال

البيئة المحيطة بك هي من أهم الأشياء التي يجب أن تتخيّرها بعناية لتنسجم مع أهدافك وقيمك. وعندما نقضي وقتًا طويلًا على الانترنت، فهذه أيضًا بيئة، وهذه أيضًا يجب أن نختار مواقعها بعناية دقيقة.

الإنترنت الحديث مُختلف. في 2005 حينما كنتَ مهتمًا بكرة القدم، الطبخ أو قراءة الكتب، كنتَ ستذهب لموقع ومنتدى خاص بكل هذه الاهتمامات على حدة. الآن كل شيء أصبح متاحًا في مكان واحد، في فيسبوك، تويتر، يوتيوب أو تيك توك.

وحينما نتحدّث عن مكان واحد، فهذا التحديد لا يأتي من غير حساب. ستكون تحت رحمة هذه الخوارزميات، والخوارزميات ترتّب المنشورات وفق سلوك غالبية البشر المستخدمين للمنصّة. وهذا يجعلنا أمام عبئ أكبر في تخيّر البيئة الرقمية: لستَ فقط تختار بيئة مناسبة لاهتمامتك، لكن عليك أن ترى كيف يتصرَّف الناس داخل هذه البيئة.

لن تذهب لنادي يهتم بقراءة الكتب لكن يتّضح بالأخير أنّ همهم فقط التقاط سيلفي مع أول صفحة من الكتاب؟ صحيح؟ لهذا سلوك الناس داخل نطاق اهتماماتك مهم جدًَا.

منظر أفزعني ذات يوم

أحبُّ مارك كوبيّت، هو من أكثر من يؤثّر على أفكاري، كتاباته وفيديواته هي من الضروريات في هذا العصر. المهم مارك لديه صفحة على تيك توك، وبحكم عملي في إنتاج بعض المقاطع القصيرة لقناته، أحتاج أن أرى الفيديوات وتصميمها وردود الأفعال، فأعرف أي الفيديوات يبرز ويشيع، فنكرّر نفس الطريقة.

زرتُ موقع مارك على تيك توك (من الحاسوب، يحرمُ عليَّ فتح التيك توك من الهاتف!) وذهبتُ للنظر في أشيع فيديو هناك. كان الفيديو يتحدّث عن نقطة مهمّة، وهي نصيحة ومنظور مختلف للمتزوّجين، إذا انغمس أحدهم في إدمان المرئيات الإباحية، كان الرجل يحث على "ابعاد الكاميرا والنظر من أعلى" حتّى يؤثّر عاطفيًا على من يتابع هذه المقاطع: أنت في غرفة، تغلق الباب على نفسك، وزوجتك في غرفة تعدّ الطعام، وطفلك نائم. أهذا ما تريده؟

ولستُ متزوجًا، لكنِّي أتصور أنّ المنظر مؤثِّر فيمن حاله كذلك. لكنِّي تفاجئتُ بالتعليقات، والتي انهارت بالسخرية على الرجل، تعليقات تُملئ سفاهة: "هذا المنظر مثير، اعجبني!" أو "اكمل القصة اكمل.. لا تتوقف!"

فزعتُ من هذه التعليقات، وفكّرتُ لوهلة: ماذا لو كان هذا الطبع السائد للناس على المنصّة؟ ماذا لو حرّكت هذه النوعية من الناس، الترندات وما يشيع في المنصّة؟

في الأخير صنّاع المحتوى يضعون ما يعجب الناس، وإذا كان الناس كذلك على المنصّة، فالفيديوات تُنشئ لإعجابهم. اهذه فيديوات تريد أن تراها؟ ليس هذا فحسب، الأمر يزداد سوءًا.

أندية كفار قريش

ذكّرني المنظر باستهزاء الناس من المُنذرين في القديم، وكيف كانوا ينفّرون الناس منهم بالمزاح والسخرية! ثمّ خطر على بالي هذا الخيال.

تخيّل أنّك جالس في نادي من أندية كفار قريش، تشربون وتتسامرون. أنت بخير مادمتَ مندمجًا معهم. ثمَّ تقوم فجأة وتحس بتأنيب الضمير وتقول: أشهدُ أنّ لا إله إلّا الله! اللهم إنِّي تبتُ لك وأنا من المسلمين!

فيردُّ عليك رجل: هيه! أتمكَّنت المُدامة من رأسك؟! اجلس ولا تعكِّر صفو مجلسنا!

فتجلس، وتحاول أن تندمج معهم مرّة أخرى، من دون أن تعكّر صفوهم هذه المرّة.

اختر بيئتك بعناية!

تصرّف وسلوكيات الناس مهم في كل وقت، سواء كانت البيئة حقيقة في الواقع، أو رقمية على الانترنت. وإذا أردتَ أن تشحن أهدافك، تبقى متحفّزًا للقيام بالأمور التي تجعلك مطمئنًا، فالزم بيئة تدعم أهدافك، وأناس يشجّعونك على ذلك. وتيك توك، حتمًا لا يصلح لأيّ هدف من تلك الأهداف!