نفضِل ألّا نُشير إلى الموت باسمه، معتقدين أنَّ ذلك سيُجرّئه على القدوم والنيل منّا، قد نضحك أحيانًا من الموت بطرفة، لكنّنا نعرف في قرارة أنفسنا إنّ ذلك الضحك ليس إلّا تخديرًا لمشاعرنا من أثر لَسعِه، ونشبِ ظفره، وإننا لن نضحك عندما نكون في أعلى قائمة أولولياته، الحياة مضيئة ومُبهجة، والموت بارد ومظلم.

أمرُّ دائمًا في طريق عودتي من الكليّة بجانب المكان الذي يستقبل فيه الأهالي أحبَّتهم المتوفين، رأيت كلَّ صنوفَ الناس في ذلك المكان، تلك التي لطمت خدّها وشقّت جيبها، وذلك الذي لا يذرف الدمعَ مبهورًا، رأيت صنوفًا من الجازعين والصابرين، ولم أكن أفعل شيئًا حين أمرُّ بجنبهم، سوى أن أوقف ما أسمعه من الشعر في سمّاعتي احترامًا، وقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وأعود بعد ذلك لطريقي، أشغِّل الشعر من جديد، وأفكّر بما يشغلني من أمور الدنيا ذلك اليوم.

تقول مؤلِّفة كتاب All That Remains وهي طبيبة شرعية عدلية، تحاول أن تكتشف الجرائم من خلال ما يتبقّى من آثار الميّت، تقول الكاتبة أنّها تعلّمت أن تعمل يوميًا مع الموت، تحترمه وتهابه، لكنّها لا تخاف حضوره، فهما يتواصلان بشكل مباشر وبلغة بسيطة، حينما يُكمل الموت عمله، تبدأ هي عملها، وبفضل الموت، تتمتَّع بمسيرة مهنية طويلة ومُثيرة. بالنسبة لطبيب بشري، فالعلاقة معكوسة، حينما لا يتمّ عمله، أو يكون العمل أصعب ممّا يُطيق، يأتي الموت ليبدأ العمل.

قبل أيّام رأيت مقطعًا غريبًا، ميِّت سجّل قبل أن يموت تسجيلًا صوتيًا، يتخيّل نفسه تحت القبور حينما يرمون عليه التراب، يلقي بعض النكات من أنَّ المكان مُظلم وأنّه لا يستطيع الخروج، وقد طلب تشغيل هذا التسجيل في جنازته، وترى المعزّين تختلط دموعهم بالضحكات، لم أستطع الضحك، لقد كان المنظر مُهيبًا. علّق صديقي محمد السفياني في حسابه على تويتر مشاركًا لهذا المقطع:

تأمل معي الرعب: هذا الرجل في تلك اللحظة مستيقظ يَعِي ما حوله، يستمع للتسجيل ولضحكات الحضور، ولربما أقبل عليه الملكان يدلانه على مكانه من الجحيم..وقد صنع هذا ظنًا منه -على طريقة بعض ملاحدة اليونان- أننا حين نموت لن نكون موجودين لنخشى الموت، لكنك حيّ واعٍ فذُق أيها الظلوم الجهول..

في تيك توك، تنتشر هذه الثقافة أيضًا، تُناقش أمور الموت بشيء من الضحكة والبهجة، يُسمّى هذا الترند بـ DeathTok، لكنّ المسحة الغالبة لتلك الفيديوات هي مسحة تعليمية، فهاك مثلًا (nurse_penny) مُمرّضة تُمرّض من يقربُ الموت منه، وتقدِّم لهم بعض ما يُريح آلامهم قبل أن يتخرَّمهم الموت، تُعلّم بيني في فيديواتها المشاهدين عن الموت، وعن المُشاهدات التي تراها على الموتى حين يقرب الأجل وتصعد الروح.

عندما تتحدَّث عن موضوع ثقيل كالموت، وتحاول أن تضع لمسة ضاحكة، يُستمرئ الأمرُ أكثر، لا يعود بهذا الرعب.

منظمة جنائز تُدعى لورين تايلور (lovee.miss.lauren) تنشر بعض المقاطع عن الصعوبات التي تواجه العوائل بعد موت أحبّتهم، والتي تنتج من عدم التخطيط لهذا اليوم الموعود، بعض المواضيع قد تبدو بعيدة عن ثقافتنا، كأن ترفض زوجة أم حضور أبناء المتوفّى ليوم الجنازة، لكنّه حديث عن الموت، والموت لا يعرف الثقافات المختلفة.

ماذا ترون بشأن الحديث من الموت بهذا الشكل التعليمي، والذي تحفّه بعض المسحات الفكاهية، أهو مهم لنتعامل مع الموت بشكل أكثر عقلانية، أم أنَّ هذا الحديث يقلّل الرهبة، ويوهن ما يُمكن أن يبثّه الموت من وعظ في النفوس؟