بخبرتي التي لا تقل عن خمس وعشرين ساعة في تعلم اللغات، اكتشفت اكتشافا رهيبا!

حسنا لندخل في الموضوع بلا مزاح، أنا طالبة جامعية بقسم اللغة العربية، أتعلم الإنجليزية الأمريكية منذ عامي الأول في الثانوية العامة، فقد بدأت منذ ذلك الحين تعلم لغة محكية حقيقية لا لغة الامتحان التي أدرسها في المدرسة، لذلك إذا كنت تستطيع التحدث بلغة ثانية فسوف تفهم مقصدي جيدا.

اللغة الثانية التي تتحدثها كالثوب الجديد، لكنه يلبسك ولا تلبسه أنت، وقد قيل سابقا: "اللغة مفتاح الثقافة" فأنت تتشرب ثقافة المجتمع الذي يتحدث بتلك اللغة، فلا شك في أنك تتأثر بها على المستوى الثقافي والاجتماعي والفكري، لكن هذا ليس فقط ما يمكن أن تؤثر اللغة عليك فيه، بل التأثير أيضا يكون على مستوى شخصيتك وذاتك أيضا، ألم تلاحظ وأنت تتحدث بلغة غير لغتك الأم أنك تنقلب رأسا على عقب وتتحول شخصيتك إلى شخصية أخرى تماما وتتحدث بأسلوب لست معتادا أن تتحدث به في لغتك الأصلية؟

تعرفت على فتاة هولندية وأنا في الثانوية عبر الإنستجرام، نشرَتْ ذات مرة صورة في القصة لشخص عادي وبجانبه صورة جون ترافولتا، بينهما سهم ومكتوب عليها "هذا ما يحدث عندما أتحدث بالإنجليزية! وكنت وقتها أشعر بذلك لكن لم أعبر عنه قط.

إذا بدلت لغتك في محادثة ما، فإن كل شيء في شخصيتك يتبدل معها، قد تكون خفيف الظل في عادتك.وتحب إطلاق النكات لكنك لا تستطيع قول النكات باللغة الثانية أو لا تشعر بها جيدا فتتجنبها ثم تبدو جادًّا جدا عندما تتحدث بها، أليس كذلك؟

حتى أخلاقك تتبدل! نعم، حتى الأخلاق، ونحن العرب على وجه الخصوص، متوفر لدينا خاصية الخجل من قول بعض الألفاظ النابية بالعربية، لكن إن قلناها بالإنجليزية أو الفرنسية كانت أخف حدة علينا وعلى المستمع كذلك فيتم تمرير اللفظ دون أي مشكلة، ولا نراجع أنفسنا يوما ونقول أننا قلنا لفظة قبيحة لا تليق بنا ولم تكن لتخرج من أفواهنا من الأساس، وأن تغيير اللغة التي نقولها بها لا يغير من الأمر شيئا!

لعل فقط ما لا يتغير فينا بتعلم لغة جديدة هو الدين والمبادئ والأفكار.

لكن في المقابل هناك لغات تتحدثها بجانب لغتك الأم ربما تتكلم بها على سجيتك وتبدو فيها طبيعيا، وهي اللغة التي تقترب جدا من لغتك أو الثقافة المنفتحة كثيرا على ثقافتك وكلا الثقافتين تلتقيان تاريخيا في حقبة معينة، وقد حدث بينهما تبادل لغوي.

فأنا لا أظن مثلا أن الإيطالي عندما يتعلم العربية المصرية يشعر بهذا التحول في الشخصية، لأن الشعب الإيطالي هو تقريبا نسخة أوربية من الشعب المصري، والإيطاليون يشبهون العرب بوجه عام في كثير من الأشياء كالصوت العالي والحميمية والتقارب الاجتماعي ولغة الجسد، إلا أن لغة الجسد وإشارات اليد تحديدا لا يبالغ جدا فيها من العرب إلا المصريون، وكلا الشعبين لديهما هذه المبالغة في استعمال إشارات اليد التي لكل منها معانٍ خاصة والاعتماد عليها كثيرا في الكلام والتعبير، فالشخصية الإيطالية هي المصرية ذاتها وجربت هذا بنفسي عندما حاولت تعلم الإيطالية.

وأتصور كذلك أن الجزائريين لن يشعروا بهذا الاختلاف عند التحدث بالفرنسية، لأن الفرنسية داخلة بشكل ملحوظ في الدارجة الجزائرية، أليس تصوري هذا صحيحا؟

هل تتفق مع هذه الفكرة؟ إن اختلفت معها، فلِمَ؟ وإن اتفقت، فما لغتك الثانية التي إذا تحدثتها لا تشعر بأن هناك شيئا تغير؟