هكذا عبّر رجلٌ مرموقٌ عن حبِّه لأحدهم حين عرّفه مفهوم الوقت والزمان وفلسفتهما في بضع كلمات. فكثيرٌ منّا سمع بل وشارك إخوانه كلمتَيْ "خذ وقتك"، لكن قليلٌ من أدرك أنّه لا توجد ملكيّة فرديّة للوقت، أليس كذلك؟
يوجد نموذجان معرفيّان – لا أظنُّ وجود ثالثٍ لهُما – يُعبِّران عن تفاعلنا مع الزمان والمكان، هما النموذج الديناميكيّ في التفكير و (ابنُ عمّهِ) النموذج الاستاتيكيُّ. ويمتلك كل مرءٍ منّا في مخياله الشخصيِّ نصيباً من كل نموذج، بحيث تخرج سلوكاته وانفعالاته وِفق لوازمِ النموذج المتغلّب على تفكيره وعمليّاته العقليّة. فلا يوجد من يُفَعّل النموذج الاستاتيكيّ على طول الخط، ولا من يهيم مع الديناميكيّ جميع أيَّامه، إلّا في حالات نادرةٍ عجيبة.
ولنبدأ باستعراض النموذج الديناميكيّ، لنجد الناظر من خلاله يرى الواقع عمليّاتٍ متحرّكةً متغيِّرةً، لا مجرد أشياءٍ ثابتةٍ دائمةٍ (كما يراها الناظر من الاستاتيكيّ). فتفعيل الديناميكيّة في التفكير يُساعد الإنسان على رؤية الحركة في الثبات، وعلى الاحتفاء بالتفاصيل وتقدير أدقِّها؛ ومن منّا لا يحتاج هذا في يومه وليلته؟ كذلك الإنسان الديناميكيّ يؤمِنُ أنّ التوقّف عن الحركة لا يساوي إلّا تراجُعاً، على عكس الاستاتيكيّ الذي يرى الثبات في انعدام الحركة.
فأكبرُ عدوٍّ للطموح والنجاح اليومَ هو التفكير الأرسطيُّ الاستاتيكيُّ، فهو يؤدي لتشيّءِ الواقع الحيويّ بطريقة بشعة، فمثلاً:
نرى عملنا على أنّه مكانٌ محدد، نذهب إليه في مواعيد محددة، لنصنع في أثنائها مهاماً محددة. ونرى أهلنا وأصدقائنا أُناساً علاقاتنا بهم مقنَّنة نمطيّة، بحيث نراهم في أوقاتٍ بعينها لنشعر بمشاعرٍ ما.
فتراكم النظر عبر هذا النمط التفكيريّ يؤدي لرؤية العالم (الكبير الحيويّ) كثباتٍ يحوي أشياء مكرورةٍ لا جديد فيها؛ مما يتسبب -تلقائيّاً- في تقمُّصنا هذا الثبات الذي رأينا، في مُحاولة منّا لمُشاكلة عالمنا البرانيّ. لكن الأخطر من هذا أنّ المستويات المتطرفة من هذا النمط تتسبَّبُ في تكوين نمطٍ اكتئابيٍّ شخصيّ، يُفْقِدُنا المتعة والتواصل مع العالم الكبير.
وعلى الجانب الآخر ( النظرة الديناميكيّة)، يلاحِظ الناظر هنا أثر التفصيلات الصغيرة في يومه وحياته، وبالتالي يجد نفسه ينجذب إلى الحياة يوماً بعد يومٍ لينغمس فيها ويتفاعلا معاً. فهو يرى كل شيء حوله يجري وينطلق، ممّا يدفعه دفعاً إلى التحرُّك (على سبيل المواكبة) حتى لا يكون الساكن الوحيد!!
بهذا أكون قد أوجزتُ وبيّنت طرفاً من ماهية هذين النموذجين؛ والآن دوركم لتخبروني عن ماهيّة النموذج صاحب اليد العليا على تفكيركم، ولا تَنسَوْ إثراء معلوماتي إن كنتم تملكون (في رصيدكم المعرفيِّ) نموذجاً ثالثاً، أو رؤية موازية مغايرة لما طرحت، تعبّر عن تفاعُلنا مع الزمكان.
وعودةً إلى الحكمة عنوان المساهمة أقول: لم تعد مُشكِلاتُ بني البشرِ -اليوم- مقصورةً على أفعالهم، بل امتدت إلى عدم تفكُّرِهم فيها؛ فلنهرع إلى ما هو كائنٌ -بالفعل- نُسائله ونحلِّلُه، ونوظِّفه لتحسين معاشنا وملاشاة شيءٍ من الخوفِ، وشيءٍ من كَبَدِ هذه الدار!
التعليقات