"مفهوم الثقافة" :

في لسان العرب: ثَقِفَ الشيءَ ثَقْفاً وثِقافاً وثُقُوفةً، أي حَذَقَهُ .

ورجل ثَقْفٌ وثَقِفٌ وثَقُفٌ: حاذِقٌ فَهِمْ .

وقيل : رجل ثَقْفٌ:إذا كان ضابِطاً لما يَحْوِيه قائماً به.

ويقال ثَقِفَ الشيءَ وهو سُرعةُ التعلم .

و ثَقِفْتُ الشيءَ :إذا ظَفِرْتَ به ، وثَقُفَ الرجلُ ثَقافةً أي صار حاذِقاً.

و" غلام لَقِنٌ ثَقِف" أَي ذو فِطْنةٍ وذَكاء والمراد أَنه ثابت المعرفة بما يُحتاجُ إليه .

فمفهوم الثقافة اذن من أصل اللغة العربية: هو المعرفة بالشيء على نحو ضابط . وأيضا تعني المهارة من قولهم " حاذق" ماهر.

فاذا ازدادت المعرفة بعدة أشياء مختلفة فهي الثقافة المصطلح عليها .

ومفهوم آخر للثقافة : هو شيوع سلوك تبعا لمعرفة بعينها ، حيث يتأثر سلوك العارف بمجموع تلك المعارف التي علمها، فيطلق على هذا السلوك المعين : ثقافة .

ثم تتعدد تلك الثقافات تبعا لنوعية المعرفة ومنها : ثقافة التنوير مثلا ،

ثم تبعا للسلوك ومنها : ثقافة الصوت العالي وثقافة التخوين وهكذا .

"مفهوم الدين" :

الدين من دان يستدين دينا ، فالدين ما التزمته وصرت مطالبا بالوفاء به .

وفي القرآن : " ليأْخُذَ أَخاهُ في دِينِ الْمَلِكِ " أي قانون وقضاء الملك .

وهو نوع من الثقافة المرتبط بفكرة وجود إله ويتسم بالالزام والوجوب والمحاسبة ومنه تعريف الدين بأنه المجازاة .

ويشمل الاعتقاد والسلوك .

والذين ينفرون من الدين فإنما ذلك لأجل ذاك وهو الالتزام والمحاسبة والمجازة .

وعلى حسب الإله والمعبود والمقدس يكون الدين ، ومع تعدد الالهة والمقدسات تعددت الأديان .

الثقافة والدين : هل هناك ثمة تعارض ؟

المنطق والتعاريف تجيب بالنفي ، لكن المتعصبين بكل أشكالهم وألوانهم يرون تعارضا بين الثقافة والدين .

و المنطق يقول أن الدين : ما هو إلا معلومات ومعارف ، وبيان لسلوكيات ، وهو يشمل نوعي الثقافة كما بيّنا آنفا .

فالنبي الذي يزعم أنه مُوحَى إليه من الاله ، ما هو إلا انسان يطرح معلومات وتوجيهات بالسلوك ، تماما مثل المفكر وعالم الفلسفة والنفس والاجتماع ،

أو الأديب والشاعر ، لكنهم ينسبون ذلك الانتاج الى أنفسهم وذواتهم، مقابل النبي الذي ينفي ذلك .

ولا تستطيع التفريق بين ما يطرحه النبي وما يطرحه العالم والحكيم والمثقف إلا بحسب نوعية وكنه تلك الأطروحات ، ويتبقى أنها نفس المسألة والقضية ..

ولأيضا في الجانب الثاني من مصطلح الثقافة وهو السلوكيات: ان حقيقة السلوك والمعارف ما هي سوى معتقدات يعتقدها المرء ، وتقابلها معتقدات في الدين .

اذن فالثقافة والدين متقاربان في كونهم معارف ومعتقد وسلوك .

"الاختلاف بين الثقافة والدين ":

كما أوضحنا لا خلاف بينهما من حيث الماهية وحقيقتهما ،

لكن يتبقى بعض الاختلافات:

1- المصدر: و القدسية التي تتسم بها الأطروحات والمعارف الدينية.

2- ثبات أصول وقواعد المعارف الدينية وعدم تغيرها ،

في حين انعدام القدسية عند الثقافة ، ثم قابليتها للتغير بين زمن وآخر ، وبين بلد وآخر ..

"أهل الثقافة وأهل الدين ":

ممارسات أهل الأديان :

استغلال الدين في التسلط والقهر والتمييز في العرق والجنس والتوسع والضمّ السياسي وتقديس البشر .

والهجوم والسخرية من الثقافات والوسائل التكنولوجية ومنع الابداع في الفنون .

ممارسات أهل الثقافة :

استغلال الثقافة في الترويج لقيم الحرية المطلقة وممارسات غريبة منكرة وهدم القيم والفضائل والمعتقدات الدينية .

ثقافة الجهل :

كلا الفريقان يرمي الآخر بتهمة ثقافة الجهل ،

المتدين يرمي المثقف بأنه جاهل بالدين ،

والمثقف يتهم الدين بأنه الجهل المقدس .

"ثقافة المنع وثقافة الاباحة" :

ثقافة المنع والتحريم عند المتدينين أمام ثقافة الاباحة والحرية عند المثقفين اللادينين .

الحرام أي المنع هو عقدة الصراع بين الثقافة العلمية والثقافة الدينية.

فعند المثقفين كل شيء مباح .

وعند المتدينين مساحة كبيرة من المنع والتقييد .

" الحقيقة والخرافة " :

الطرفان المثقف والمتدين ، الملحدون والمؤمنون، كلاهما يزعم أنه الحقيقة ويتهم الآخر بالخرافة .

المثقف يزعم العقلانية ويتباهى بالعقل وتطور العلم ويتهم المتدين بالجمود والتخلف وغياب العقل .

أنت أمام ثقافة المرئي والمحسوس ، مقابل ثقافة الغير مرئي .

وثقافة المادة مقابل ثقافة الروح .

ليس كل ما كان غير مرئيا فهو خرافة وغير موجود:

فالروح غير مرئية ، والنية داخل الانسان غير مرئية ، والجاذبية غير مرئية،

والأفكار عند البشر لا يراها أحد وصاحبها فقط هو الذي يعلمها .

والنجوم تختفي في النهار وغير مرئية ، وكلما قل الضوء ظهرت وأصبحت مرئية .

وذاكرة العقل غير مرئية ، وتجدد الخلايا في الانسان غير مرئية .

مليارات المجرات في السماء والكون غير مرئية .