• عام 1714 أصدر غوتفريد لايبنتز كتابه الفلسفي القصير " مونادولوجيا"، الذي قدّم فيه خُلاصة أفكاره السياسية والفلسفية والأخلاقية، والذي ختمه بعبارته الشهيرة "خير العوالم الممكنة" مُشيراً لأن عالمنا الحقيقي هو خير العوالم التي من المُمكن وجودها، وأن "كل شيء يسير إلى الأفضل في خير العوالم الممكنة" لأن الله آله محب خيّر، وقَد حاول لايبنتز مراراً حلّ معضلة الشر وخاصةً عبر كتابه الشهير والمُصطلح الذي أوجده Theodicy.

  • عام 1755 ضرب زلزال مدينة ليشبونة عاصمة الإمبراطورية البرتغالية مترامية الأطراف آنذاك، ودمّر المدينة بشكل شبه كامل وعُرِف الزلزال باسم زلزال ليشبونة العظيم، وأعقب الزلزال تسونامي وحرائق، ويُقدّر العلماء اليوم أن شدّة الزلزال كانت حوالي 9 درجات على مقياس ريختر ووصلت آثاره إلى المغرب، وعُدَّ من أكثر الزلازل تدميراً في التاريخ وتسبب بمقتل 60,000-100,000 إنسان.

  • عام 1756 نشبت حرب بين فرنسا وبريطانيا بشكل أساسي استمرت سبع سنوات، ودُعيت بناءً على ذلك بحرب السبع سنوات، ويُقدّر عدد ضحاياها آنذاك بـ 868,000-1,400,000 إنسان.

هذه الأحداث الثلاثة دفعت بإثنين من أكبر مُفكري عصر التنوير لتبادل رسائل حول معضلة الشر، وتوقفت هذه المراسلات لمدة حيث أن فولتير كان مُنهمكاً بتلقي العلاج من مرضه ولم يستطع على إثره أن يردّ على آخر رسائل جان جاك روسو إلا لشرح حالة مرضه وأسباب عدم قدرته على الرد، غير أنه وعده بالرد بالنهاية، وبعد مضي مدة على ذلك جاء رد فولتير آخيراً لكن على شكل رواية أطلق عليها اسم "كانديد أو التفاؤل".

بيد أن فولتير لم يكن مُلحداً، لكنه لم يكن بذاك التفاؤل خاصةً مع رؤيته المآسي التي عاصرها من حرب السنوات السبعة وزلزال ليشبونة العظيم الذي ألّف قصيدة حوله، ووصف الكارثة ساخراً بأنها واحدة من أفظع الكوارث في خير العوالم الممكنة، بل أنه أخذ يهاجم هذا التفاؤل المبالغ فيه بحدّ رأيه، بينما كان روسو يحاول أن يدافع عن أفكار لايبنتز ويعزو دائماً الشر الموجود بالعالم إلى الإنسان وحده وأن هذه المآسي لا شأن فيها لله الذي أوجد خير العوالم الممكنة.

تُعد كانديد رواية ساخرة، أهم الشخصيات فيها هو بطلها كانديد، شاب بريئ ومفعم بالأمل، تلقى تعليمه على يد معلمه بانغلوس، الفيلسوف المتفائل بشدة والذي يسعى دائماً أن يُبرر كيف أن كل حدث هو ضروري للسير نحو الأفضل مهما بدا شريراً، ولديه بشكل عام نظرة مُشرقة للحياة، أمّا الشخصية الثالثة فهو الفيلسوف مارتن المُعاكس لبانغلوس مئة بالمئة، المُتشائم والذي يرى أن كل شيء يسير نحو الأسوأ.

يسخر فولتير (مُمثلاً بمارتن وأحداث الرواية) من لايبنتز وروسو (مٌمثّلَين ببانغلوس) بشدة، فكانديد الذي كان يتلقى تعليمه بسلام على يد أستاذه بانغلوس تنزل فيه أشد المصائب، ويضطر لأن يترك المنزل ويأخذ بالتنقل بين البلاد بحثاً عن محبوبته الضائعة، فيتعرض لشتى أنواع المصائب ولا يوجد شرّ إلّا ويخبره، وهو يسعى دائماً أن يتمسّك بتعاليم أستاذه بانغلوس الذي ما عاد قادراً على إقناعه بسهولة، كما كان يفعل عندما كان كانديد يعيش بآمان في منزله بمعزل عن العالم وهو يستمع إلى أستاذه الذي يخبره أن كل شيء يسير نحو الأفضل.

فولتير يجعل العالم قاسياً جداً ويجعل من معظم البشر أشراراً لصوص أو قتلة في عالم خالٍ من الأخلاق يبحث فيه البشر عن منفعتهم فقط، وتدور في الرواية نقاشات فلسفية صغيرة لكن الأفكار الأساسية هي عبر الأحداث التي يخلقها لبطله كانديد وردة فعله تجاهها، كما ينتقد فولتير من خلالها عدّة جوانب غير الشر.

أسلوب فولتير بالرواية ساخر وبسيط، فالمآسي لا تحدث بجو حزين وإنما بأسلوب فكاهي، ويعاود أحياناً أشخاص من المفترض أنهم ماتوا بالظهور من جديد، وتنتهي الرواية بفكرة فلسفية جميلة يريد فولتير من خلالها أن يقول أن الشرّ الكامن في العالم لا يُمكن تجاهله، بيد أنه لا يدعو للإستسلام بل إلى العمل دائماً لتحسين حياتنا.

أعجبتني الرواية شخصياً. أعجبني الأسلوب الفكاهي وكيفية عرض المآسي بأسلوب مضحك ولامبالي بهول المصيبة. طريقة تفكير بانغلوس مغيظة بشكل لا يُحتمل بالنسبة لي وعموماً لا أستطيع أن أتحمل هكذا تفاؤل والذي يُعرف بمصطلح Panglossianism نسبةً لبانغلوس. أعتقد أن الرواية كانت ضرورية بوقتها لإنتقاد هذا التفاول المُبالغ فيه، ولا أعلم إن كان يوجد اليوم من هو بتفاؤل بانغلوس أو لايبنتز ليقول أن كل شيء سيسر إلى الأفضل.

الشكر لـ @transient الذي دلّني عليها.