حينما تسلم نجيب محفوظ الجائزة قال: لقد كان يستحقها أساتذتي الكبار أمثال: العقاد، طه حسين وتوفيق الحكيم. فهل كان ذلك تواضع من الرجل؟ أم صادق فيما يقول؟ لا نعلم حقيقةً وإنما ما نعلمه أن الرجل خير من جسًد الحياة المصرية الخالصة بأدق تفاصيلها. ومن منا ينسى الحرافيش مثلاً والثلاثية وأولاد حارتنا وغيرها الكثير؟ ومما يقال من أسباب فوزه بنوبل أنً: الإغراق في المحلية الطريق للعالمية. فهل هذا القول صحيح؟ نعم صحيح، فمن حيثيات اللجنة التي سلمته الجائزة أنه خير من مثًل الحارة المصرية وأنه واظب الكتابة على مدار خمسين عاما. فالحارة عنده ترمز (Allegory) إلى الحارة الواقعية أو إلى مصر أو إلى العالم كله.

ولكن ما الذي جعل الرجل يفوز بالجائزة دون عمالقة عصره وهم من حملة مشاعل النهضة المصرية والعربية؟ما الذي جعله يتميز جداً في وصف الحارة المصرية بأدق تفاصيلها؟ الحقيقة حينما تأملت في الأمر لم أجد إلا أنً الرجل كان جمً التواضع شديد الانغماس في حياة رجل الشارع. مما ورد في كتاب (وطني مصر- حوارات مع نجيب محفوظ) أن محفوظ أراد أن يستريح من اللقاءات الصحفية وغيرها فأخبر سكرتيرته بألا تحدد مواعيد أخرى لأنه سيقضى يومين في الإسكندرية. سألته: كيف يسافر؟ هل يريد أن تعد له سيارة خاصة؟ كان الرجل لا يمتلك سيارة خاصة. فاندهش لسؤالها وقال: بل سأسافر كما أسافر دائماً بالأتوبيس العام.... قالت: ولكن لآن بعد نوبل...قاطعها: وماذا بعد نوبل؟ أنا كما أنا لم يتغير شيء في حياتي.

ذلك ما تميز به محفوظ. بساطته الشديدة الصادقة نضحت في تعامله مع الشارع فنضحت في رواياته فجسدها خير تجسيد. أما العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم لم يكونوا بهذا الاندماج في حياة الناس. ألم ينعت الحكيم أدبه بأدب البرج العاجي؟ ألم ينطو العقاد في صومعته ليل نهار لا يكاد يبرحها؟ وطه حسين ألم يكن يصطاف في باريس مع زوجته الفرنسية؟ لم يكونوا يمشون في الشارع يصافحون الناس بمختلف طبقاتهم. لم يكونوا يجلسون على القهوة في الحسين يعانون ما يعاني الناس. كانوا أقرب إلى الانعزال في برج عاجي ولذا جاء أدبهم يفتقد الحرارة والحميمية التي يحظى بها محفوظ. هل تؤيدونني في ذلك أم هناك أسباب أخرى لفوز محفوظ بنوبل؟

الآن مر فوق الخمسة والثلاثين عاماً ولم يفز أديب عربي بنوبل. فلماذا يا ترى؟ ومن في رأيكم من الأدباء العرب الحاليين من يستحق الجائزة ولماذا؟