لا يمكنني رؤية ذلك الشخص الذي يعطل عقله عن كامل اقتناع إلا على أنه شخص يمتلك مورداً عظيماً ولا يستعمله، بالضبط كشخصٍ لديه مليون جنيه ولكنها في البنك، فلا هو يستثمرها ولا حتى تحميه من الفقر. كذلك بالضبط من يعيش حياته دون أن يجرب ويخطئ، ويسير بحرص وخوف شديدين على ضوء تجارب الآخرين.

قد تتساءل الآن : هل هناك من يعطل عقله عن كامل اقتناع؟

نعم يا صديقي بل من الممكن أن تكتشف الآن إذا تدبرت اختياراتك السابقة أنك معطلاً لعقلك، وفي الحقيقة إن هذه الفلسفة الكسيحة التي يتبعها البعض في حياتهم تجعلهم يعيشون حياة لا تناسبهم أبداً، فقد يتخصصون في مجال دراسة لا يناسب قدراتهم ويلتحقون بعمل ما لا يتماشى مع قدراتهم لمجرد أنهم رأو من نجح فيه أو خافوا من المجازفة. والأمثلة على ذلك كثيرة ونراها دائماً. فمثلاً جارنا الذي كان يمتلك موهبة الرسم وكان حلم حياته أن يلتحق بكلية الفنون الجميلة، حين تفوق في الثانوية العامة وجاء بنتائج عالية قال أبوه (إذن عليك بالهندسة) وقال قريبه المهندس (طالما انت جئت بتلك الدرجة انصحك بالهندسة فإنك ستتفوق فيها) فتجاهل معرفته لنفسه وآثر ما قاله الآخرين، وطبعاً كان نتيجة ذلك أنه لا زال يقضي أسوء السنوات في حياته بين جدران كلية الهندسة وهو ينظر لكلية الفنون الجميلة كحلم صعب المنال..رغم أن القرار كان في يده، لكنه خاف من اتخاذه، وكأنما بذلك الخوف (خاف من استعمال عقله

في روايته (الجريمة والعقاب) يقول فيودور دوستويفسكي عن أهمية التجربة حتى وإن كانت خاطئة:

إن الخطأ هو الميزة الوحيدة التي يمتاز بها الكائن الإنساني على سائر الكائنات الحية، من يخطئ يصل للحقيقة، أنا إنسان لأنني أخطئ، ما وصل امرء إلى حقيقة واحدة إلا بعد أن أخطأ أربع عشرة مرة! وهذا في ذاته ليس فيه ما يعيب، ولكن الناس لا يعرفون حتى أن يخطئوا بأنفسهم.

في الحقيقة لم اتعجب من وصف ديستويفسكي للخطأ على أنه ما يميزنا عن باقي الكائنات، إن خوفنا من الخطأ يؤدي إلى خوفنا من اتخاذ القرار، وخوفنا من اتخاذ القرار يؤدي إلى تدخل الآخرين ليأخذوا قرارنا أو يجعلنا نقلدهم لنسلم، ولكن السلامة فعلاً في أن تكون نفسك وتتقبل وتجرب بنفسك وتخطئ وتتعلم دون أن تُساق.

وهنا عزيزي القارئ : كيف تتخذ قرارك؟ وهل تسير أحياناً وراء الآخرين كي تسلم من تبعات اتخاذك أنت للقرار؟