لعل سبب انتشار الكاتب الروسي الكبير فيدور ديستويفسكي بين أوساط القراء المختلفة هو نظرته المختلفة للأمور، حيث لا يكتفي بوضع رأيه الذي يميل إلى السوداوية والكآبة، بل يقنعك به كذلك وإن كنت متفائلاً للحياة تراها كما يرى الطفل المستقبل، وكأنه يقنعك بحقيقة الأمر والواقع المعاش بل ويصدمك كذلك بأن تفائلك ما هو إلاّ خدعة تعيش من خلالها فقط!

في أغلب مؤلفات ديستويفسكي ونظرته للعلاقات دائماً تميل إلى السوداوية، وحتى لا أظلمه بحكمي ذاك فإنها أيضاً تميل إلى "الواقعية المفرطة" بحيث لا تستطيع تجاوز سوداويته إلا أن تقول في نفسك "معك حق يا دستو" وقد لا تخلوا حياتك من مواقفٍ تنطبق عليها مقولاته.

فمثلاً قوله في إحدى رواياته :

"نظرة الحب الحقيقيه لا تجدها إلا عند أبواب المطارات والندم الحقيقي لا تجده إلا عند المقابر والدموع الحقيقيه لا تجدها إلا ف الجنائز والدعوه من أعماق القلب لا تجدها إلا في المستشفيات، كل هذا يحدث لأننا لا نعرف قيمة بعضنا إلا عند الفراق، أن تحضر وردة في موعدها خيرٌ من أن تحضر نجمة من السماء بعد فوات الأوان، أن تقول كلمة جميلة في وقتها خيرٌ من أن تقول قصيدة بعد زوال المشاعر فلا جدوى من قبلة ندم على جبين ميت"

وقد لفت نظري كثيراً نظرته للعلاقات في روايته الشهيرة "الجريمة والعقاب" عن العلاقات وما تبناه من فلسفة تتماشى كثيراً مع فلسفة المقولة التي أدرجتها له مسبقاً وكأنها تكملة لكلامه ولنظرته التي تشبه ضربات المطارق على العقل المزدحم بالمواقف المشابهة والتي تنطبق عليها تلك النظرة القاتمة.

حيث يقول ديستويفسكي في رواية الجريمة والعقاب:

"كل الذين أحبوني وأحببتهم، كنت أنا دائمًا الطرف الأكثر حبًـا لهم، أقصد أنني برغم قدرتي الضعيفة على التعبير لكنني أقدِّم أشياء صادقة، أقدِّم أشيـاء ربما لا يعرفون قيمتها إلا بعد نهـاية علاقتنا، الأهل، الأصدقاء، الجيران، الأقارب، زملاء العمل… هـم رائعون في البداية، الجميع رائعون في البدايات، الونس، الأمان، الردود الطيِّبة والشغف، أمَّا عنِّي فكنت دائمًا أبحث عن ما هو بعـد هـذه الخطوة، فقط البـدايات رائعـة في كـل شـيء، لكـن الوقت يُبــرِّد مشاعرهم، الوقت يكشف أن اقترابهم منـي كـان بدافـع الفضول أو مجـرَّد نوبـات احتياج فتعثروا بي لأعوضهم عـن الفراغـات التي يشعرون بها، لم يحدث يومًـا ووجدت من تغـيَّر لأجلـي، من حاول وضحَّى ليبقى بجانبي"

يبدو أن ديستويفسكي وضع في الإقتباس السابق الأسباب التي تجعل من العلاقة مؤقتة وهي..

  • أنه أحياناً يكون هناك طرفاً يعطي أكثر من الطرف الآخر، وهذا خلل لا يمكن تجاهله في أي علاقة ويكون ملحوظاً للطرفين، ويعتبر قاسماً مشتركاً بين كل العلاقات الفاشلة أو التي لم تكتمل للنهاية.
  • السبب الثاني يكمن في عدم التقدير للأفعال المقدمة مهما كانت بسيطة، فتجاهل مثل تلك الأفعال يؤدي إلى اقتناع الطرف الآخر بأنه غير مرغوب فيه وقد يرحل وهو لا يريد الرحيل حفاظاً على كرامته، والمشكلة أن الطرف الأول الذي لا يرى تلك الأفعال لا يتجاهلها بل هو بالفعل "لا يراها" ولكنه يلاحظها إذا ما انتهت العلاقة ويتمنى لو ترجع يوماً ولكن هيهات.
  • السبب الثالث يكمن في وهج البدايات، حيث يكون كل طرف متحفز لتقديم أوراق اعتماده في العلاقة وفورما يتأكدون أن الصورة الذهنية تثبتت بشكل جيد يبدأ الملل يجد طريقه إليه ومن ثم يبدأ التجاهل والإبتعاد.
  • السبب الرابع يكمن في هدف الإقتراب من البداية وتكوين العلاقة، فأحياناً يكون الإقتراب بدافع الفضول وإذا ما انتهى هذا الفضول انتهت العلاقة...هكذا بلا مقدمات.
  • أما عن السبب الخامس والأخير فهو "الإحتياج" حيث يحتاج الإنسان لشخص يخفف عنه إذا مر بظرف طارئ او ما شابه وإذا انتهى هذا الظرف...حزم حقائبه ورحل!

من المؤكد أن لأسباب انتهاء العلاقات المثير والكثير من الشرح، وهذا يختلف من علاقة لأخرى، فكل علاقة لها خصوصيتها في اسباب الإبتعاد.

وسؤالي لك هنا ..ما هي نظرتك لرأي ديستويفسكي في العلاقات؟ وهل حقاً كل العلاقات مؤقتة وأنها تنتهي حين ينتهي فضول البداية؟