لا يخفى علينا أننا نمر في فترة صراع داخلي بين الانسجام والقبول لِما يُطرح اليوم من مجريات وتطورات الحياة الحديثة وبين ما نلجأ إليه لتعزيز الروح الأصيلة والقيّمة للأفكار والأشياء.

فحين نتحدث بشكل عميق عن أفكارنا واهتماماتنا يأتي شخص ليقول لك "يكفي فلسفة"، وأصبحت مصطلحات مثل "عُمق، ارتقاء فكري" هي كليشيه "كلام فارغ".

حتى أن مصطلح "كليشيه" نفسه فقد ثقله المعرفي الأدبي، أصبح الكثيرون يطلقون هذه الكلمة أو جمعها "كليشيهيات"على العبارات التي فقدت معناها لشيوع تناقلها مع أنها قد تكون حقائق مفيدة أو تحتوي أفكار قابلة للنقد والنقاش.

في كتاب نظام التفاهة يتحدث المؤلف عن كيف صعدت أنظمة كاملة على كافة الأصعدة سواء التعليمية، الأكاديمية، الاجتماعية الثقافية والفنيّة في العصر الحديث على خلفية الكفاءة العادية المتوسطة والتي تنحدر في كثير من الأحيان إلى ما هو أدنى من ذلك. يقول آلان دونو "لقد تشيّدت شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية".

وهذا يفسر الكثير من حولنا وكيف انخرطت التفاهة اليوم في حياتنا، فـ مَنْ يطلقون على أنفسهم المؤثرين مع فراغ ما يقدمون فعلياً أصحبوا رموز يتم استضافتهم من أجل ادرار المال على أي جهة مستضيفة، ولكن المُحيّر في الأمر هو تَقبّلنا له وتَأثُر الفئة الغالبة بهم بهذا الشكل مع أن هناك فرصة جيدة لرفض الانسياق وراء الأفكار التي لا تحقق قيمة حتى وإن كان لها معنى، فالمعنى غالباً ما يكون سخيفاً!

اسقاطاً على كثير من الأمور من حولنا كشيوع الكتب قليلة المستوى على تلك التي تمثل قيمة أدبية كبيرة، وشيوع مواد الإعلام الترفيهية من مسلسلات موسيقى برامج عن تلك الهادفة إلخ.."

كيف ترى أنه بامكاننا فصل الأفكار القيّمة (الهامة) عن تلك الرديئة (التافهة) في حياتنا اليومية، وهل لنا دور في كبح هذا الاجترار الحاصل اليوم أم أننا نَتقبّله بأي حال؟