في طفولتنا قيل لنا كثيرا أن التكرار يعلم الشطار! لهذا كان المعلم يشرح المعلومة مرة واثنين ويكررها علينا حتى نحفظها ولكن ليس بالضرورة أن نفهمها فهما كاملا. وهذا ما حاول الفيلسوف سورين كيركجارد أن يتناوله في فلسفته المسماة التكرار حيث يعتبر تكرار الأحداث التي تحدث لنا والتجارب تجعلنا نقيمها بصورة أفضل وبالتالي نفهمها ونفهم الحياة من منظور مختلف، وبالتالي يكون التكرار هو أداة للتعلم والفهم، تماما حينما تقرأ كتاب للمرة الثانية أو تعيد مشاهدة فيلم ما فتجد نفسك فهمته بشكل أكبر لأنك تحلله بطريقة مختلفة، ولكن على الجانب الأخر قد يكون التكرار سلبي بالنسبة للبعض لأنه عندما يتعمقون في ترتيب الأحداث القديمة فيحدث ما نقول عنه تذكر الماضي الوردي فقط حيث يتم التركيز على الإيجابيات ونسيان السلبيات، أو عندما نظل نتذكر موقف محرج أو غير جيد تعرضنا له فيسيطر علينا أيضا ويحملنا بالمشاعر السلبية، وقد يعد التكرار نفسه وسيلة للإدمان فالمدمن يحاول تكرار التجربة أكثر من مرة بهدف الوصول إلى نفس درجة النشوة الأولى التي وصل إليها حتى يقع فريسة لهذا الإدمان، وكذا في العلاقات العاطفية فيكرر الشخص محاولاته في الوقوع في الحب ليجد من يشعر به ويشاركه نفس شعوره فقد يقود للتعلق المرضي. فمن خبراتكم وتجاربكم ما هي الأثار الإيجابية والسلبية للتكرار في حياتنا؟
كتاب التكرار: ما هي الأثار الإيجابية والسلبية للتكرار في حياتنا؟
التكرار حقًا سلاح ذو حدين، فهو قادر على أن يكون أداة قوية للتعلم كما أشرت، أو قد يتحول إلى عبء ثقيل إذا أسأنا استخدامه. ما يميز التكرار الإيجابي هو أنه يفتح لنا أفقًا جديدًا مع كل مرة نخوض التجربة ذاتها. كما ذكرت، قراءة كتاب للمرة الثانية أو مشاهدة فيلم من جديد تجعلنا نكتشف تفاصيل لم نكن نلاحظها في البداية، ونفهم الرسالة بصورة أعمق. هنا التكرار يتحول إلى أداة لإعادة تقييم الأمور، ويعطينا الفرصة لفهم أعمق للحياة ولمواقفنا الشخصية.
التكرار كان دائمًا جزءًا مهمًا من حياتي، خاصة في التعلم. على سبيل المثال، عندما كنت أتعلم مهارات جديدة في تحليل البيانات، كنت أواجه صعوبة في البداية لفهم بعض المفاهيم. لكن بتكرار المحاولات وتطبيق المعرفة على مشاريع عملية، بدأت ألاحظ أن الفهم أصبح أعمق مع كل مرة أتعامل فيها مع نفس التحدي. هنا كان التكرار عنصرًا إيجابيًا للغاية لأنه جعلني أطور مهاراتي وأبني الثقة في قدراتي.
أذكر أنني في فترة معينة كنت أميل إلى تكرار التفكير في أخطاء أو مواقف محرجة حدثت في الماضي. كنت أجد نفسي غارقًا في تحليل تلك المواقف والتفكير في "ماذا لو" بشكل مفرط. هذا النوع من التكرار كان مرهقًا وسلبيًا، لأنه لم يساعدني على التقدم بل جعلني أتعلق بتفاصيل لا يمكن تغييرها. أدركت بعد فترة أنني بحاجة إلى الخروج من هذه الحلقة وإعادة توجيه انتباهي نحو المستقبل بدلاً من الغرق في الماضي.
بالنسبة لي، تحقيق التوازن جاء من تحديد متى يكون التكرار مفيدًا ومتى يتحول إلى شيء سلبي. تعلمت أن أستخدم التكرار كأداة للتطوير الشخصي، ولكن مع مراقبة النفس حتى لا أسمح له بأن يتحول إلى عائق يعيدني للوراء.
شخصيًا كان للتكرار آثار إيجابية على حياتي سواء أثناء الدراسة لترسيخ المعلومات في الذاكرة، أو خلال عملي كمعلمة لإقناع التلاميذ بعادات جديدة مميزة بدلًا من العادات السيئة، كما أن التكرار في حد ذاته يمنحني الشعور بالأمان والاستقرار ففكرة القيام بشيء ما وتكراره تقلل شعوري بالقلق والتوتر عند حدوثه، كما أن التواصل المتكرر مع الأصدقاء والأقارب يعزز مشاعر الحب والأمان، وهناك العديد من الأمثلة التي مررت بها وجعلتني على اقتناع تام بتأثير التكرار الرائع على الحياة.
كل هذه أثار إيجابية بلا شك لمسألة التكرار، ولكن على مستوى الدراسة على سبيل المثال ألم يصادفك طالبا لا يحب التكرار لأنه تصل له المعلومة من المرة الأولى فربما يكون التكرار هنا يبعث على الملل بالنسبة له، ألا ترين أن هذا تأثير سلبي على البعض وكيف يمكن التعامل مع التكرار لو كان تأثيره سلبيا علينا أيضا؟
من وجهة نظري التكرار يمكن أن تكون وسيلة تعليمية جيدة في بعض الأحيان، فكلما تقرأ كتاب جديد تكتشف معلومة جديدة كنت غائب عنها ولم تلاحظها، أو أن هناك معلومة تنسي تفاصيلها دائماً فتكررها حتى يتم حفظها وتسهيل تذكرها في وقت لاحق.
ولكن أيهم أفضل بالنسبة لك، التكرار ام الممارسة في التعلم بشكل أفضل؟
ولكن أيهم أفضل بالنسبة لك، التكرار ام الممارسة في التعلم بشكل أفضل؟
الممارسة برأي هي الأفضل من مجرد التكرار، فيمكن أن تكرر حفظ كلمة أو معلومة أو قاعدة رياضية حتى تتذكرها في ثواني، ولكن بدون الممارسة والتمرين على تطبيق هذه الأشياء سيكون التكرار هنا مجرد طريقة للحفظ ومع الوقت ستنسى هذه الأشياء أو على الأقل سيبقى تأثيرها في الذاكرة ولكن دون فائدة كبيرة أما لو مارستها فسيكون لها تأثير أكبر لأنه ستسجل في عقلك بطريق مختلفة.
كان لي تجربة مع ابنتي فكلما بدأت بتعلم شيئ جديد أو انضمت لكورس معين، تبدأ التذمر في البداية وأنها غير معتادة ولايمكنها أداء المهام المطلوبة، فأنصحها واخبرها بأنها فقط ليست معتادة، ولكن مع تكرار نفس المهام يوميًا أو أسبوعيًا ستتحسن مهاراتها وتتقبل الأمر بوصفه عادة لأنها تصبح أسهل مع التكرار، وبعد فترة تتغير وجهة نظرها ولا تجد الأمر بصعوبة البداية، بل إنها تنسى وجهة نظرها الأولية.
فمن خبراتكم وتجاربكم ما هي الأثار الإيجابية والسلبية للتكرار في حياتنا؟
معي، يكون التكرار تأثيره إيجابيًا في تكرار التعرض لمشكلة معينة، بالخبرات التي اكتسبتها في التخطي من التجربة الأولى يكون الأمر أسهل في تخطي نفس العَقبة مرة آخرى، كذلك الأمر في تكرار قراءة كتاب يكون لدي نظرة جديدة كما تفضلت أنت بالطرح.
لكن يختلف معي منظور التأثير السلبي بعض الشيء، في المرات التي يتكرر فيها الفشل في خُطوة معينة من حياتي أُفضل دائمًا التراجع... ويكون التكرار بالنسبة لي هنا بمثابة لافتة واضحة "ليس طريقك" هذا دائمًا ما يتبادر لذهني. فما سبيل خروجي من مُعضلة التفكير هذه؟ وكيف أحول ذلك التأثير السلبي لدفعة إيجابية؟
فما سبيل خروجي من مُعضلة التفكير هذه؟ وكيف أحول ذلك التأثير السلبي لدفعة إيجابية؟
عن نفسي أرى تجربة الفشل بحد ذاتها وخاصة لو تكررت أنها تكون علامة مهمة للتعلم أكثر وأكثر وليس للتوقف وترك الطريق، أستخدمها كأنها الدافع أكبر وتحدي أكبر بأنه عليّ أن أتعلم ما لم أتعلمه، مثلا أتذكر بداية محاولاتي للتحدث باللغة الإنجليزية أنها كانت كارثية وكنت أكرر نفس الخطأ سواء في عدم قدرتي على التعبير أو نطق الكلمات بطريقة ليست جيدة، ومع الوقت وكثير من الفشل، أدركت أنه علي أن استمع أكثر وأكثر وأمارس التحدث بيني وبين نفسي وأكرر التحدث وراء الفيديوهات المختلفة، وبعد عدة تجارب استطعت أن أتحدث بطلاقة، ولكن هذا ليس كل شيء فوجدتني بعد فترة على رغم قدرتي من التحدث لساعات دون كلل أو ملل أنني لست جيدا في القراءة وأفشل في كل مرة ومن ثم تعلمت القراءة بعد محاولات فشل متكررة فالفشل المتكرر يكون دافعا لو ركزت على هدفك وتعلم ما فاتك بدلا من التركيز على الفشل نفسه.
التكرار بكل تأكيد يخلق خبرة أكبر وإدراك أوسع، ولكن بينه وبين التعود فرق كبير وأذكر التعود لأنك ذكرت مثل المدمن، فهنا هو تعود على أثر ما من مثير معين ثم تكيف معه فأصبح يحتاج إلى ما يسبب أثر أكبر له، أما التكرار فهو مختلف حيث نفهم أكثر ولو أردنا تطبيق مثال صحيح على التكرار فانظر لمن يقوم بتجهيز أول سيجارة مخدر له كيف يجهزها وكم مدة تجهيزها ومعرفته للمكونات والجودة وانظر لمن يجهز السيجارة رقم خمسين مثلاً ستجد أنه عالم يمكن أن يكتب موسوعة في علم تجهيز سجائر المخدر، والمقصود هنا أن التكرار يصنع الخبرة التي تحدث نتيجة ممارسة.
وبصراحة لم أجد له أثر سلبي في حياتي ولكن ربما يأتي فيما بعد.
المثال الذي طرحته عن تكرار التجربة، فهو يكرر ليس بحكم العادة في البداية بل هو يكرر ليصل إلى التجربة الأولى ومن خلال التكرر تتكون العادة التي هي ليست جيدة بالتأكيد، ولكن في مرحلة ما قبل التعود ستجده يقول أنه يكرر الأمر لأنه يريد أن يصل إلى نفس التجربة الأولى ولكنه بسبب أنه يفشل فيكرر ومن يعتاد الأمر.
لعل التكرار يكون ذا فائدة عندما يكون المرء على وعى ويتفكر، فالمدمن متعة ما،لو تفكر لأدرك أن تلك اللذة لا تعدو شئ فى الزمن، وأن ما يتبعها من عواقب سيئة هى الباقية كما وصف القرأن(قل متاع الدنيا قليل)
لكن التكرار أحيانا يكون هروب من مواجهة النفس فيكرر نفس الخطأ، حتى لا يقع فريسة لنفسه عندما تسأله لماذا فعلت، ولعله يكون ضعفا، كذنب يكرره وهو له كاره، فهنا الله فتح له باب للتوبة فى كل مرة فتراه لو ندم وتاب ومن ثم عاد وندم وتابع وكرر فعله وهو له كاره، فالله يقبله فى كل مرة بل ويشهد ملائكته أنه غفر له الذنب ولو فعله ، وهذا مذكور فى حديث قدسي.
عندما تتدبر موقف ما،ستحظى بدروس لن تقرأها فى كتاب ولكن اكتسبتها من أخطائك وتلك المواقف المحرجة .
عندما تتدبر موقف ما،ستحظى بدروس لن تقرأها فى كتاب ولكن اكتسبتها من أخطائك وتلك المواقف المحرجة .
بهذه الطريقة من التكرار والتدبر في المشاكل والمواقف المحرجة يمكن الاستفادة بالفعل من عميلة التكرار والتفكير هنا لأنه لم يفكر فيها وحسب بل تدبر وركز لكي يعلم الأخطاء التي وقع بها، برأيك لماذا يحدث أحيانا أن لا يركز الفرد في المواقف حينما يتذكرها ويطلع منها بالدروس المستفادة؟
أعتقد إما أنه يجهل نفسه أو لا يريد أن يقبل ضعفه فى هذا الموقف
أو لا ينتبه لما يحدث ففى كل مرة يكرر نفس الفعل دون وعى.
ـ عن قبول الضعف فيكفيك أن تقرأ القرأن وتتعظ بأياته والسيرة النبوية وقصص الصحابة، لأنها تعطيك تفاصيل عن أكمل إنسان ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعندما تتعرف عليه وتعرف أن ما حدث معك حدث مع الرسول وكيف تصرف تهدأ نفسك ، والصحابة لأنهم عدول ولأن الرسول قال فى حقهم( أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، ثم سير الأعلام بعد ذلك .
التعليقات