أصغيت مصادفةً لمحاضرة يلقيها دكتور في كلية الآداب بشكلٍ مفتوح في المكتبة المركزية، إذ كان يرفع كتاباً بين يديه ويتحدث عن كاتب إسمه حسين البرغوثي الشخص الذي مهّد الطريق لنفسه في كشف ذاته والبحث عن معنى مختلف تاركاً أثراً لا يذهب في الحياة.

شعرت بهذا الحديث يشبهني لأنني كنت أبحث عن هوية فكرية رصينة وأحاول إدراك المعنى لذاتي وحياتي، وفي زيارتي للمكتبة بنفس اليوم رأيت الكتاب وقررت قراءته.

بدأت بالقراءة ودخلت عالماً آخر وأخذت تكبر فيّ دهشة الكلمات حتى أعدت قراءة بعض الصفحات مرةً تلو الأخرى.

يتحدث حسين في الضوء الأزرق عن تجربة حياتية بينما كان يدرس الماجستير في بلاد الغربة، وكان إنساناً عاقلاً مثقفاً لا يُندى له غبار، لكنه تعرف إلى أشخاص مشردون لديهم فلسفة خاصة جنونية عن الحياة، بشكلٍ يجعلهم يرونها ويعيشونها من منظور مختلف وفكر أنفذ وعقل أوضح.

فلسفة فكرية جذّابة يطرح حسين من خلالها أفكارٍ مهمة، لمست عقلي بشكلٍ عذب فلم أكن أعرف أنني أقرأ الفلسفة أو كِتاباً يصفه البعض الأن أنه رواية فلسفية لأن الكلمات لمست عقلي كشعور حتى وجدتها تقبع داخلي وتطوّع نفسها في كثير من مواقف ومراحل الحياة المهمة لأستدل بها الطريق.

أفكارٌ عدّة عرّضني لها الضوء الأزرق استوقفتني وعبرت إليّ لكن أهم تلك الأفكار التي لم أستطع زحزحتها ولو إنشاً واحداً من عقلي هي كم نحن مخدوعون بالحياة المثالية لتعريف أنفسنا! نغوص فيما حولنا من مبادئ وقيم ونظريات جاهزة عن الحياة لدرجة أننا ننسى أن نعيش حياتنا الحقيقية ونكوّن قيمنا ورؤيتنا الخاصة بنا.

نأخذ المسار المقرر لنا في الحياة منذ الطفولة إلى الكِبر مروراً بمراحل الحياة التقليدية والتي يسعي ويركض الإنسان وراء إثبات ذاته ضمنها، متناسين التجارب الحقيقية الهامشية التي تتحقق بتحرير أنفسنا من هذه الرؤى المسبقة والحدود المرسومة لنا دون خوف.

ويبقى السؤال الذي يحوم في عقلي جيئة وذهاباً كيف نستطيع تحرير عقولنا من مستقبل رسمته المثالية؟ في البحث عن ذواتنا وخوض تجربة واحدة حقيقية.