"نحب فكرة الانقسام." بهذه العبارة يطرح "هانس روسلينغ" موضوعه عن غريزة الفجوة في كتابه "الإلمام بالحقيقة"، وما أثار انتباهي أننا فعلًا نميل بشكل تلقائي أو غريزي لتقسيم كل الأمور إلى قسمين، بحيث يكون أحدهما صحيح والآخر خاطئ، أو أحدهما أقوى والآخر ضعيف.. وهكذا، المهم أن فكرة التضاد الشاسع هو ما نصوغ من خلاله الحقيقة، نرى ذلك في تقسيمات مثل: دول نامية ومتقدمة، غني وفقير، أهلي وزمالك (أندية رياضية مصرية)، كليات قمة وكليات "عادية"..إلخ، هذا النوع من التقسيمات يرتبط بشكل كامل بفكرة التحيّزات، ووجود تلك الثنائيات سببه ما يُروج له الإعلام ويصبح جزءًا من تفكير الشعوب،من يُفقَد إثره في التقسيم الثنائي؟ الإجابة بسيطة: كل ما هو داخل الفجوة بين القسمين المتباعدين، أي كل ما يقع في فجوة المنتصف ما بينهما، ففي رأيكم كيف يمكن رؤية الصورة كاملة؟
كتاب الإلمام بالحقيقة: "غريزة الفجوة" من نحن، ومن هم؟
ووجود تلك الثنائيات سببه ما يُروج له الإعلام ويصبح جزءًا من تفكير الشعوب،من يُفقَد إثره في التقسيم الثنائي؟
أرى أن أغلبية واقعنا موجود في منطقة الوسط وهي فئة مهملة في وجهة نظري، فبعيدًا عن الأهلي والزمالك، في مصر مثلًا بين الفقراء والأغنياء نجد الطبقة الوسطى، لا يلتفت لها أحد فهي فئةغير محتاجة ماديًا بوجهة نظرهم وبالوقت نفسه ليسوا أغنياء، وإن كانت معظم المشكلات الإقتصادية تقع على عاتق تلك الفئة، هم يعيشون "زي الكتاب ما بيقول" عمل وتعليم ونادرًا ما يحققون ثروة تنقلهم لفئة الأغنياء، وقد يتدهور بهم الحال ليصلوا لحال الفقراء لكن لا تتم معاملتهم كالفقراء لأنهم لم ينشأوا كذلك.
مثلها الدول المتقدمة والنامية هي تقسيمة غربية، فهم متقدمون ومن دونهم نامي وإن حاولوا، وذلك التقسيم بدأ منذ زمن ولو أحرزت الدول النامية تقدمًا أو ثورة اقتصادية فلن يتم نقلهم لخانة الدول المتقدمة وإن حققوا ثروات او وصلوا للقمر.
صحيح أسلوب التقسيم الثنائي نفسه خاطئ، لأنه يجعلنا نتجاهل كل ما لا يقع ضمن نطاق هذا التصنيف، كالطبقى الوسطى مثلًا التي ذكرتيها، وبالمناسبة هي لا تُمثل مصر فقط، بل معظم بلدان العالم، والأحرى كما ذكر الكاتب، هو تقسيم الأفراد تبعًا إلى مستوى الدخل (4 مستويات)، وبناءً على هذا التقسيم نجد أن مع المستوى الثاني (من يتقاضى ما بين 2$-8$ يوميًا) يقع نصف سكان العالم في هذا النطاق، أي أن كلمة دولة متقدمة ودولة نامية هو مجرد مسمى، قد لا يعكس بالضرورة الحالة المادية لأفراد الشعب.
عزيزتي إيرني،
الموضوع محتاج من الإنسان تربية نفسه وأن لا يترك نفسه للمجتمع كي يربيه ويملي عليه شروطه، استغرقت سنوات كثيرة حتى توقفت عن فكرة التضاد "أبيض، اسود"، "كبير، صغير"، "صديق، عدو". المشكلة أن مجتمعنا المصري يربي فينا ذلك التضاد. أنا الآن تعافيت من الأمر وأحاول جهدي أن أنقل تلك الفكرة لابني، مع العلم أن الصغار أكثر قدرة على التغير من الكبار، وأكثر قدرة على التقبل. لذا فأحاول جهدي أن أناقش معه جميع الجوانب حتى نرى الصورة كاملة، وأن نتقبل الآخر أياً كانت انتماءاته وميوله وهناك مقولة رائعة في هذا الأمر "أنت حر ما لم تضر". وهي معيار لكل شيء.
المشكلة أن مجتمعنا المصري يربي فينا ذلك التضاد.
ليست مشكلة دولة أو مجتمع بعينه ولكن الفكرة نفسها منتشرة في العالم كله وقائمة على أفكار مغلوطة حول مفاهيم كالصواب المطلق والخطأ المطلق مع عدم ترك مساحة لخيار النسبية أو خيار الأنسب، فليس الأمر حول ما هو صحيح ولكن ما هو مناسب لي ولأفكاري ومبادئي وعلى هذا الأساس هذا هو الصح بالنسبة لي والذي قد يكون على العكس تماما بالنسبة لك لأن معاييرك وافكارك بالتأكيد ستكون مختلفة عني.
فليس الأمر حول ما هو صحيح ولكن ما هو مناسب لي ولأفكاري ومبادئي وعلى هذا الأساس هذا هو الصح بالنسبة والذي قد يكون على العكس تماما بالنسبة لك
صحيح جدًا، ونرى ذلك متجليًا في التناقضات السايسية والدينية تحديدًا، وكأنها حرب مشتعلة لن تهدأ سوى بقرار يحامي لطرف عن الآخر، وهذا غير منطقي أبدًا، لأنك تجرد الشخص تمامًا من أي شيء سوى معتقده أو ميوله السياسية، أي يتوقف على ذلك أمور عديدة، كالحقوق مثلًا، القرارات والموافقات في بعض المشروعات، التزمت والتعصب وغيرها الكثير، في الأخير كما ذكرتي، المهم أن أكون أنا مع الفئة العليا الصائبة في أفكارها، والآخر مع الفئة الدنيا الخاطئة، الهدف هو الشعور بالتفوق.
في منطقتي يميل الناس لتقسيم جيرانهم إلى أصدقاء وأعداء (أخصام) فقط لأن فلان تشاجر معك مرة أو مرتين، وحتى لو كان اشتباك جسدي، وحصل عنف شديد، وأنا واخد حقي وهو واخد حقه، ومحدش خسران أو كسبان (يعني خلصت في الآخر على معلش / صفر). طيب، يستغربون لكوني شخص متسامح، وغلبان، وعايز بس يعيش في سلام مع من حوله، أو في حاله. بل وقد تصبح مدانا لأنك تسامحت مع شخص كان بينك وبينه عداوة سابقة (يا أخي ما المانع). بل وقد يبالغون فلا ينسى الشخص لآخر إساءة مهما صغرت (مثلا طلب منه مالا ولم يعطه) ولكنه ينسى تماما أي خير فعله معه. أو يكون هناك مواقف جدعنة بأن وقف محايد، هذا المحايد في أكثر من مشكلة، إذا وقف في صف طرف، ظل خصما مدى الحياة، ولا يؤخذ بالأسباب التي دعته إلى هذه الخصومة، فقد يكون مثلا تم الإعتداء عليه أثناء محاولته فض النزاع. وغير ذلك في الكثير من المعاملات، خاصة تلك التي لها علاقة بالعمل، أنا دائما أقول أن الإنسان شخص مركب، فيه الكويس وفيه الوحش (نفس هذا الشخص الواحد). مع ذلك، أنا لا أتوقف أبدا عن إدانة أو حتى عداوة أي من آذاني في لقمة عيش أو عمل، عملا بالقول (يا جاي على قوتي يا ناوي على موتي) رغم ما فيه من فجاجة غير صحيحة. أنا نفسي شخص مركب ومتناقض (وإن كان على نحو مجنون).
أنت حر ما لم تضر". وهي معيار لكل شيء
آه والله، نسيت أن أذكرها في تعليقي، ومسألة التدرجات هذا، هو أيضا مثال للخانة صفر، كلنا نبدأ منها، كلنا قد نسقط فيها، ومهما علونا، هناك من هو أعلى منا، ماليا أو أخلاقيا أو في التحصيل المعرفي. بالنسبة لمسألة المال، على اليوتيوب، يحكون نكتة حول سكان الساحل، فيقال لا تعاير أحد بسيارة تجد لديه يخت، ولا تعاير أحد بشقة، تجد من لديه بيت، وصاحب البيت يجد من لديه فيلا، وصاحب الفيلا يجد من لديه قصر، وهكذا دواليك وكأننا لن نصل إلى قمة الهرم أبدا (يكفينا أننا على قمة الهرم الغذائي، كمان عايزين يكونوا على قمة الهرم الطبقي!).
المشكلة أن مجتمعنا المصري يربي فينا ذلك التضاد.
ولكن الإنسان في بدايته يكون خاضع لمجتمعه وبيئته وأهله، وكما ذكرتِ الإدراك يأتي متأخرًا مع المرور بمواقف مختلفة، وايضًا أحد اهم العوامل، هي التربية، فلو أن التضاد هو المبدأ المتعارف عليه في منزله اولًا وفي كل شيء مادي وملموس ومتأصل في أفكار الجماعات من حوله، فكيف سيتجنب ذلك، دون مرورة بتجربة أو تقكير مغاير لذلك؟
جيد ما تقومين به في تربية ابنك، وأتفق معكِ فيه، ولديَّ سؤال بسيط بخصوص هذه الجملة:
وأن نتقبل الآخر أياً كانت انتماءاته وميوله وهناك مقولة رائعة في هذا الأمر "أنت حر ما لم تضر"
ماذا لو كان نوع الأذي فكري، كيف يمكن حماية الأبناء من التأثر لدرجة الذى وخصوصًا في المراحل المبكرة؟
أنا هنا أطلب نصيحتك يا إيرني، أنا معروف بكوني شخص عنيف جدا، وقاسي في تعاملي مع أهلي، مع أبي، وأمي وإخوتي الأصغر مني، بل وحتى مع أقاربي، بالنسبة لي، قد أتحاور مرة واتنين وعشرة، ولكن هناك مرات، وربما بسبب كلمة واحدة، فيها ما فيها من تحدي أو تمرد أو عصيان، تشعل فتيل غضبي، خاصة وأنني مستند إلى مبدأ أعطي لنفسي به الحق فيما أفعل، كوني الكبير (كبير أسرتي، وكبير في العائلة عموما رغم كوني أصغر شبابها). ونحن عائلة صعيدية، مفهوم الكبير هذا (كبير) يعطي للشخص هيمنة على ذويه، تكاد لا تكون محدودة، الأدهى أنه يجعله متصالح مع ذاته، بحكم أن ما يفعله لا يقع ضمن أي من العيب، ولا يخالف الأصول. مثلا، لأن شقيقي الأصغر، من الممكن أن يتدخل ليحوش عن ابن خاله، هنا الخطأ كبير جدا، لأنه وقع من أخي، وأنا أخاه الأكبر. يا إلهي، الواد ده أنا مربي له الرعب والله. سأقولها لك بصراحة، هنا وعلى الملأ، ولك الخيار إذا كنت متخصصة ومتفرغة كفاية لتعطيني بعض النصائح المجانية عبر المراسلة الخاصة. أنا قد أضرب أخي، أو أي أحد في العائلة، لدرجة تؤدي به إلى ضرورة الذهاب للمستشفى. وبالطبع أنا تم عرضي مرات ومرات على أطباء نفسانيين، أنا نفسي آذيت نفسي مرارا، لأني لم أعطي لنفسي الحق فيما أفعله. انظري ما الأدهى. إما أن أكون مسالما مع شخص ما، لأقصى درجة، فأقبل منه أي شيء، حتى ولو أهانني أو خلافه. وإما أعاديه، واستدعي كل مقدار ذرة من العنف أو الغضب أو حتى الكراهية من داخلي. فما العمل برأيك؟
مرحبًا رايفين، أنا فهمت من كتاباتك سابقًا أنك تعاني اضطراب ثنائي القطب تقريبًا ولا أعلم إن كان يصاحبه وسواس قهري أم ماذا (استنتجت ذلك من كلامك فقط)، على العموم انت تحتاج للمحافظة على برتوكول علاجي أو إرشادي حسب ما تصل إليه في خلال جلستك مع الطبيب، وعلى الناحية الأخرى، هذه نصيحة فقط، اكتب كل ما يحفزك لإظهار العنف أو الغضب، ضع ذلك في سيناريوهات قصيرة، هذا سيساعدك في تجنب تلك المحفزات عند حدوثها، أو على الأقل ستحاول السيطرة على ردود أفعالك في كل مرة عما قبلها، مع إضافة نقطة اخرى، كلما كان يومك مستقر، تضع له روتين ثابت لا تخرج عنه، قد يساعدك ذلك مع موضوع العنف والغضب، ولكن لو بإمكانك الحصول على جلسات للعلاج السلوكي المعرفة سيكون الأفضل، لأنه سيساعدك على تغيير جذور الأفكار نفسها التي تؤدي لتكرار نفس الأنماط.
مرحبا إيرني، شكرا على النصيحة، سأفكر جديا بها، ونعم أنا أعتقد منذ فترة طويلة إني مصاب بـ اضطراب ثنائي القطب، ونعم مرة أخرى، أنا مصاب بالوسواس القهري منذ صغري، لدي قائمة جميلة مكونة من سبع علل نفسية خطيرة، وتجعل حياتي جحيما. شاكر مرة أخرى على النصيحة، التي جاءت في أكثر محور، منها الكتابة والتي أعمل بها بالفعل ومنذ زمن (لا تتخيلي مقدار النصوص التي أخرجها يوميا).
حتى في السياسة نجد هذا حقيقي في معظم أنحاء العالم فالسياسيين يقسمون إلى يسار ويمين وحتى مع وجود انظمة متعددة الأحزاب نجد انه في كثير من الأحيان ما تكون المنافسة الحقيقية بين اثنين منهم والباقي يحصل على بعض الفتات المتبقي، وأعتقد أن هذا يتعلق برغبة كل منا أن يرتدي عدسة غليظة من الأفكار تحدد له الصحيح والخطأ دون تفكير او اجتهاد منه، وفكرة رؤية الصورة كاملة في نظري لا تأتي سوى من خلال تثقيف الانسان لنفسه وتوسيع أفقه.
جد انه في كثير من الأحيان ما تكون المنافسة الحقيقية بين اثنين منهم والباقي يحصل على بعض الفتات المتبقي
هذا لأن الأمر محسوم إعلاميًا وتسويقيًا وسياسيًا من البداية، باقي الأعضاء يعلمون جيدًا أن وجودهم لا يمثل أي شيء، ولهذا أنا ذكرت أن للإعلام دور كبير جدًا في تغذية فكرة التنافس والتضاد بين قسمين، وتدافع الأراء نحو من الأجدر والأصح بينهما.
وفكرة رؤية الصورة كاملة في نظري لا تأتي سوى من خلال تثقيف الانسان لنفسه وتوسيع أفقه.
ألا ترى أن هناك بعد آخر في فكرة التقسيم الثنائي، وهو رغبة الشخص نفسه أن ينتمي للفئة الرابحة ويجد لنفسه كل المبررات التي تؤيد حججه، مثلًا لو تركت مساحة للتفكير في كلام المشككين في تقسيمك، قد تجده كلامهم صائب في الأخير، وتتابعات الأمر قد تضعك في موقف صعب لا ترغب به، فتجد أن أسلم حل هو الدفاع عن صوابية فئتك بأي ثمن، ألا تتفق مع ذلك؟
ليس بالضبط الفئة الرابحة لكن فئة منتشرة ومبادئها واضحة لكن ما تصفيه وهو ما أفهمه بكونه المكابرة كما يطلق على المصريون أمر منتشر بشكل كبير وله علاقة بكون معظم الناس لا يملكوا القدرة على التراجع والاعتراف بالخطأ عندما يقابلون بأدلة دامغة على عكس ما يقولون أو يؤمنون به وبالطبع هذا الأمر يكون ثقيل على النفس لكن تدريب النفس على الاعتراف بالخطأ أمر أجده مفيد جدًا للسلام النفسي للشخص نفسه، وهناك وجه آخر للمشكلة أيضًا أن الكثير من الناس يفقدون احترامهم لمن يتراجع عن رأيه وقد يكون هذا جزء من اصرار الجميع على رأيهم حتى لو اتضح لهم بالدليل القاطع والبرهان الساطع أنه خطأ.
هنالك لقاء أجنبي قديم مع المخرج المصري يوسف شاهين عندما سأله المذيع عن أن مصر دولة غير متحضرة، فقال له" أتعرف ما معنى الحضارة؟ الحضارة هي لو أنك سقطت في الشارع فستجد كل من حولك يساعدك ولو ذهبت إلى أفقر شخص في مصر وأخبرته أنك جائع فسيعطيك الطعام حتى لو لم يكن يملكه فسيذهب إلى جيرانه يطلب منهم طعام لأجلك هذه هي الحضارة والعالم المتحضر، أما في أوروبا لو سقطت في الطريق فلن يهتم بك أحد!" وأرى أن هذا هو الحل لرؤية الصورة الكاملة أو القضاء على فكرة الفجوة والمقارنة بين طرفين هي اعطاء كافة الأطراف نفس المساحة في عرض وجهات نظرهم ونفس الفرص للتعلم وإظهار أنفسهم، وعلى المستوى الشخصي يجب على الشخص أن يذهب ويبحث بنفسه وألا يعتمد على مصدر واحد يعطيه المعلومات لأن هذا ما يخلق فكرة التفرقة والصور النمطية سواء عن شعوب أو بلدان أو حتى على تخصص دراسي أو عملي.
مع تفهمي لفكرة المخرج، لكن لا أعتقد أنها حقيقية. فكرته مبنية على نظرة حالمة قليلًا للمجتمع والواقع أنه نعم قد يساعدك الناس في حال تعرضت لمشكلة، لكن هناك حوادث كثيرة كالتحرش مثلًا قد لا يتدخل فيها أحد! وأغلب الحوادث يستيقظ المصابون ليجدوا أنفسهم بدون كل ما كانوا يمتلكونه حتى بطاقاتهم الشخصية!
على الناحية الأخرى ففي أوروبا قد لا يتدخل الناس لمساعدتك في حمل الحقائب مثلاً لأنهم يحترمون مساحتك الشخصية لكن لو طلبت لحصلت على المساعدة.
لذلك حتى الرغبة في رؤية الصورة الكاملة تحتاج أحيانًا النظر إلى وجهات النظر المعاكسة تمامًا وعدم الانخراط في التركيز على الحصول على مفهوم واحد مثل هنا رغبة المخرج في أن يعرف الحضارة أو أن يدافع عن الشرق فيها.
على الناحية الأخرى ففي أوروبا قد لا يتدخل الناس لمساعدتك في حمل الحقائب مثلاً لأنهم يحترمون مساحتك الشخصية لكن لو طلبت لحصلت على المساعدة.
حالات التحرش والاغتصاب والتجارة البشرية (وجنسية للأطفال) في أمريكا فقط مرعبة، وهي من تنادي بالحريات وغيره، الفكرة أنها وضعت نفسها متربعة على عرش الدول المتقدمة اقتصاديًا، ومن يأخذ البروباجندا الكاذبة هي البلدان النامية (أنها أوقع في التصديق)، بالمناسبة لا أبرر أبدًا ما يحدث في مصر، فهذا حوار طويل يحتاج لمساهمة بأكملها.
مثل هنا رغبة المخرج في أن يعرف الحضارة أو أن يدافع عن الشرق فيها.
أنا معك أنه يتعامل يتحيزات، ولكن جزء منها منطقي بالنسبة لأي شخص، فلو أنني اليوم أخبرتك أن هويتك أو معتقدك غير معترف بهما ولا قيمة لهما، فهل ستتعاملين معي بحيادية فقط، دون اي تدخل من التحيزّات؟
بالطبع أفهمك في أن البروباجندا الغربية بشكل عام مبالغ فيها لكن هذا لا ينفي ما قلته في تعامل الناس العادية مع هذا البند بشكل أفضل. وهي جملة ليست مطلقة بالطبع لأن لكل بلد عاداتها المختلفة ولا يجب التعامل معهم كأنهم كتلة واحدة.
حالات التحرش والاغتصاب والتجارة البشرية (وجنسية للأطفال) في أمريكا فقط مرعبة
الحالات مرعبة في كل مكان وأمريكا بالتحديد لا أعدها من الدول المتقدمة فكريًا أساسًا فهي دولة نامية لكن معها سلطة ومال أكبر بكثير وبالتالي سطوة أكبر. لكن ربما أقول أن ما يميزها شيء واحد فقط وهو القدرة على الاحصاء حيث نعلم أن ما يصلنا من الأرقام عن هذه الجرائم قريبة من الحقيقة. أما هنا فحتى الأرقام ميزة لا نحصل عليها والجرائم متواجدة بشدة بل ربما أكثر بكثير مما تظنين.
فلو أنني اليوم أخبرتك أن هويتك أو معتقدك غير معترف بهما ولا قيمة لهما، فهل ستتعاملين معي بحيادية فقط، دون اي تدخل من التحيزّات؟
أفهم قصدك. سأكون متحيزة ولكن سأعترف بانحيازاتي كما أعترف بانحيازاته هنا. رغم أني لا أعرف سياق حديثه أو إن كان تعرض لهذا الاتهام بالفعل لكن بشكل عام لا أعتقد أن أي شيء يخصني خارج النقد فكما أنتقد الآخر اسمح له بانتقادي. وإن كانت بلا قيمة بالنسبة له فأنا مدركة لقيمتها بشكل لا أحتاج فيه إلى موافقته
هذه ليست نظرة حالمة بل هذا واقع عشناها وعن نفسي عشته لا أعلم بالنسبة لكِ وخبراتك في الحياة ربما لم تصادفي هذه المواقف الإيجابية، وأضم صوتي إلى صوت @ErinyNabil في أنه لدينا مشاكل في المجتمع ولكن أيضا النظرة الحالمة للمجتمع الغربي هذه بعيدة عن الواقع. ولي أصدقاء كثيرون سواء اجانب أو عرب يعيشون في الخارج وكم القصص التي أعرفها لا تقل قبحا عن قبح مجتمعنا، فلكل مجتمع ايجابيات وسلبيات.
ربما لم تصادفي هذه المواقف الإيجابية
صادفت المواقف الإيجابية وصادفت الكثير من المواقف السلبية أيضًا لذلك لا أقارن المجتمعين ببعض حيث كما قلت لكل مجتمع ايجابيات وسلبيات. والحكم على مصطلح الحضارة عن طريق تبني موقف واحد قد يكون فيه ميل ايجابي ناحية مجتمع عن الأخر ليس بالشكل الدقيق في نظري هذا كل الأمر
أنا أتفق معك، أن المجتمع المصري فعلا هو الأميل إلى تقديم المساعدة للغير، بمختلف طبقاته وأحيائه الشعبية والعشوائية والراقية، ولكن هناك مستويات للتدخل، وهناك مستويات لعدم التدخل بسبب زيادة الخطر في المشكلة الحاصلة. مصر جميلة، وكان لي صديقي بريطاني اسمه مارك، نتبادل النكات عند زيارته، حول إذا ما هاجم قاتل أو لص عليك، يقول لو كان جاره يحبه فسوف يتصل بالنجدة. على عكسنا نحن، ممكن نخطف القاتل، بل وحالات (مسك الحرامي) كثيرة حتى تشفق على اللص مما يجري فيه لو تم إمساكه، كذلك حالات إمساك المتحرش، وضربه، وجرّه إلى الشرطة. ولكن مع ذلك، مصر تمرض حضاريا، انظر إلى ما حدث مع نيرة أشرف، لم يتدخل الشباب إلى عندما توفرت فرصة أثناء إنهمام القاتل بالإجهاز نهائيا على ضحيته. حدث موقف مشابه في منطقتنا، وهي منطقة عشوائية بالغة الخطورة، شاب متعاطي اعتدى على الضرب على رجل شيخ عجوز مسن، وفتح عليه مطواته يريد أن يجهز عليه، الشاب سائق توك توك، والخلاف كان على الأجرة. من عجب، أن ذلك جرى أمام دولاب مخدرات، وهي من الحسنات النادرة لهم، دولاب مخدرات، هو تجمع عصابي من الشباب المسلحين لحماية ما يملكون من بضاعة. كل شاب فتح مطواته، اتعور جامد المسكين والتوك توك تم تحطيمه. لحسن الحظ أن الشيخ من منطقتنا، والشاب لا. لو كان شابا آخر من منطقتنا، لاختلف الوضع، وغالبا ما كان ليتدخل أحد، إلا في محاولة حيادية لا أكثر، وهذا أكثر ما أكرهه. على كل حال، اعتقد لازال التحرش الجنسي الصريح جسديا يهيج أي شخص. في البلاد العربية عموما، أتذكر رجل سوداني، غضب بشدة بسبب مصري كاد أن يضرب فتاة سودانية، وتجمع الشاب وأخيه عليه لضربه لولا حشت عنه وشباب مصريين فعلوا ذلك معي. عجبني أن الحموة، موجودة فينا نحن العربي، مصري، أو سوداني، ليبي أو سعودي، عراقي أو سوري. أنا شخصيا لي تجربة أيام الطيش في مراهقتي يوم اعتديت على فتاة ضربا، وكدت أخسر حياتي فقط بسبب أهالي المنطقة (منطقة غريبة عن منطقتي، وفيهم مسجلين بالطبع).
وأرى أن هذا هو الحل لرؤية الصورة الكاملة أو القضاء على فكرة الفجورة والمقارنة بين طرفين هي اعطاء كافة الأطراف نفس المساحة في عرض وجهات نظرهم ونفس الفرص للتعلم وإظهار أنفسهم، و
صحيح، ولكن هكذا تختفي المنافسة والفوقية، فلو أنا وأنت على صواب، كلًا من منظوره، إذًا ما سيحكم بيننا، من سيترأس ومن سيتراجع؟ التقسيمات جزء منها هو لإظهار التضاد الذي يجعلك تتخذ صف الواحد عن الآخر، فهل تعتقد أنه يمكن أن تحدث حالة من الإتزان؟
لا لن توجد حالة اتزان بكل الأشكال، هي فقط محاولات نادرة للقضاء على فكرة التفرقة ولكن يتم هدمها بسبب القوى المتحكمة لأنه من مصلحتهم جعل الناس يدورون في نقاشات وخلافات لا تفيد سوى في التراجع والتخلف. لهذا نحاول ولو بقدر بسيط لو اتيحت لنا الفرصة أن نقول أن الحل في القضاء على هذا بإعطاء غيرك نفس الفرصة.
يمكننا تقسيم العالم بأسره لأشياء سوداء، وأشياء غير سوداء
لكنه لن يكون تقسيمًا جيدًا إن أردنا أن نعرف أسماء الحيوانات مثلًا أو نفرقها عن الطيور. ويمكننا أن نصنف بأشكال مختلفة كثيرة ومتنوعة، كل منها يعطينا صورة عن شيء لكنه يأخذ منا صورة أخرى عن شيء أخر بدقة أكبر.
برأيي الحل يكمن في أن يدرك الإنسان أن أيًا كان ما يقسم به فهو حيز صغير وعليه أن يقسم كثيرًا وبشكل أكبر حتى يضمن تغطية الصورة الكاملة.
دعيني أعطيكي مثالًا أخر أثر فيّ كثيرًا، قديمًا كان العلماء يقسمون كل شيء إلى جسيمات وموجات، فإن كان الشيء يتكون من ذرات فهو جسيم مثل الخشب مثلاً أما إن كان ليس له وجود ملموس وإنما هو مجرد طاقة تنتشر سمى بالموجة مثل موجة الصوت أو الضوء مثلًا
ومع تطور العلم اكتشف العلماء أن الموجات مثل الضوء تحتوي بداخلها جسيمات تسمى بالفوتونات، فكانت صدمة كبيرة أن هذا التصنيف قد يكون خاطئًا، ثم تقدم العلم أكثر فأكتشف أن الالكترون (وهو أصل كل الجسيمات) له خواص موجية وأن طبيعته أيضًا مزدوجًا
فكان التقسيم ضروريًا في البداية لنبدا الطريق لكن بمروره نكتشف أن التشابهات كبيرة جدًا بينما قسمناه بشكل لا يجعل هناك حاجة للتقسيم
برأيي هذه ميزة نستطيع بها أن نعرف الحياة، ميزة الأزواج، أن لكل شيء زوج، كل شيء هو جزء من شيء آخر، فمثلاً لنفهم حياة الغنى يمكننا أن نبحث في الفقر، كل نقيض للفقر هو ملازم للغنى حتماً حتى ولو لم نعيش الغنى، أي تولّد فكرة الازواج عندنا فرصة على التفكير والابداع والابتكار بطريقة رائعة الانها تجعلنا قادرين على التفكير في ما بين أيدينا وما ليس بين أيدينا، هذا الذي ليس بين أيدينا يمكننا البحث فيه عبر زوجه، نصفه الآخر كما يقال.
نعم، أنا متفق معك تماما @Diaa_albasir ، فبرغم كل الاعتراضات على النظرة الثنائية، كنت دائما أرى أنها طريقة عقلية ووجودية لا يمكن التخلص منها أبدا، بل وفيها فوائد عديدة، الفينومينولوجيا وعلوم الحاسوب تشهد على ذلك، الذكاء الاصطناعي لم يفهمنا إلا من خلال ذلك.
لكنه لن يكون تقسيمًا جيدًا إن أردنا أن نعرف أسماء الحيوانات مثلًا أو نفرقها عن الطيور.
وحياتك عادي، هما يقسموها زي حيوانات ونباتات، والحيوانات منها فقاريات ولا فقاريات، وهكذا دواليك، وحتى الجسيمات، تظل مادة ملموسية، هناك الطاقة المظلمة الأشبه بمادة غير ملموسة، هناك السالب والموجب، ومع ذلك، أفهم قصدك جدا، لأن حتى هذه التقسيمات يخرج منها تصنيفات أصغر وأكثر وعدد من التشابهات، بل وتقابلات من زوايا مختلفة.
مثلا الإنسان، يمكن مقابلته مع كائن غير عاقل فنقول الإنسان مُيز عن الحيوان بالعقل
أو العلاقة بين العابد والمعبود متمثلة في العلاقة بين الإنسان والإله
أو الإنسان، وكائن آخر قرين له، غير مرئي بعد، يشاركه في العقل، ولديه حضارة مستقلة لم نكتشفها بعد، مثل الجن، ومثل المخلوقات الفضائية.
أو الإنسان نفسه، تدور داخله أفكار تنتمي إلى الملائكة أو الشياطين، والإنسان إما حي أو ميت (هي المقابلة التي يستحيل بعد المزاوجة بينها) مثلما يمكن القول، موجود أو غير موجود (سواء بالوجود المتعين بمكان أو ظرف معين، وعليه الغياب هو حضور في موقع آخر، أو الوجود كتضاد للعدم بكل بساطة).
يحدث هذا الأمر كثيراً في حياتنا عندما ننظر إلى جانب ونتجاهل الآخر، وغالباً ما يكون الجانب الذي ننظر إليه هو الجانب السلبي، ولا ندرك أنه في هذه الأثناء تفوتنا العديد من الأشياء الإيجابية التي تستحق أن نعيشها بكامل حواسنا، وبسبب كوننا نركز على الأشياء السيئة نغفل أشياء هامة بسبب عدم الشعور بالتقدير والامتنان لما لدينا من نعم.
قد يكون توطين النفس على أنّ الأمور نسبية، وفي كلّ شيء ماله وما عليه يقربنا من رؤية الصورة كاملة فلا نبالغ في الجزم بالتصنيف ..
ربما تكون قد لاحظت أّنّه عندما يريد أحدهم أن يحصرك في فكرة ما يعطيك خيارين لا ثالث لهما حتى في أمور بسيطة كأن يقول أحدهم تشرب قهوة أو عصير ؟! والأغلبية سنجيب مباشرة بأحدهما ولربما الرغبة الحقيقية تكمن في اكل شيبس
تأخذ بيض أو دجاج ؟! وربما أردنا حصانا
نتوجه إلى الغابة أم البحر ؟! ربما الخيار في أن نبقى بالبيت ..
وقس عليه في أمور التعليم والاقتصاد والأخلاق، لتبقى دائما الصورة قطبية، فالقلبل من يفكر في البياض بكل سواد والسواد بكل بياض !
هناك مقولة تقول "وبضدها تفهم الأشياء" هو أمر حقاً له علاقة بالتسويق بشكل كبير، ورؤية الصورة كاملة تأتى حينما نوسع المنظور فنرى كليات القمة وكليات القاع وكليات الوسط وكليات مابين الوسط وماوسط والقاع وهكذا ببساطة فحينما نرى الأهلى والزمالك والإسماعيلي والبورسعيدي وإلخ، تظهر لنا الصورة كاملة، أما أبيض أو أسود هذا للتسويق على ما أظن.
اعتقد أن الأصلح هو ما ذهب إليه هيجل بشأن الطريحة، يقابلها النقيضة، ويمكن دمجهما في الجميعة، الجميعة بدورها تكون أو ينتج عنها نوع من الطرح الجديد، يمكن الأخذ بما يقابله، بعدها يمكن الاستمرار في عرض التعارضات للوصول إلى صورة شبه سوية من الحقيقة المتمثلة في الجميعة، الجميعة تتحول مرة أخرى إلى طريحة، والتي قد يأتي لاحقا ما يقوض هذا الطرح الجديد مرة أخرى. وهي نظرية أميل إلى مبدأ الشك وفكرة النسبية. وأنا أتبنيها على نحو كبير، فبالنسبة لي، المسألة أقرب إلى تعداد، مهما امتلكت معلومة إضافية قد تؤيد وجهة نظرك، زيادة عني واحد، أو اثني، أو مائتي درجة أو مليون، تجد من يزيد عنك في تأييد ودعم منظوره بعشرة مليون، أو مائة، أو مليار، وهكذا إلى ما لا نهاية -وهي المشكلة التي حيرت العلماء والفلاسفة حول جدوى المنطق الاستقرائي، ولكن هذه قصة أخرى- لهذا أنا أفضل دائما التمحك في الحالة الصفرية من المعرفة المستندة إلى الشك كمبدأ أول ومنطلق معرفي بل ويمكن تطبيق قيمته على العديد من النواحي الأخرى، مثل الأخلاق، فالمبدأ القائل (لا ضرر ولا ضرار) يحاول أن يذهب بنا إلى الحالة الصفرية من الأخلاق والتي يتم تطبيقها فقط لما يكون الشخص في حاله، هنا ينعدم خيره وشرّه، ولكن هذا في حد ذاته خير، لأنني لست بحاجة إلى ذلك الآخر كي يوجهني أو يقومني، طالما راعيت أنا نفسي أن أظل في المساحة صفر (لأن حرياتك تقع عند حدود حريات الآخرين). وهذا أقرب نموذج لمنع التدخلات الغير مرغوب فيها، والحفاظ على الخصوصية، بل وقتل أي سبب قد يؤدي إلى حدوث مشاكل عنيفة أو مهينة أو مؤذية بين طرفين. وفي العامية، لما يفيض الكيل بشخص ما نقول (لا خيرك ولا كفاية شرّك؟). هنا المراد أن ندعو هذا الشخص (المؤذي) أن يكف أذاه وأن يظل في الحالة صفر (صفر من العطاء وصفر من الأذى). أقرب فلسفة أخلاقية إلى ذلك، هي النفعية أو الذرائعية، واسمها الغربي هو (البراجماتية). في القانون نحن نطبق الكثير من ذلك، فمثلا، في حادث طريق، أدى إلى الإضرار جسديا بشخص ما يمرّ من الطريق، حتى ولو كان هو المخطئ ولا يجوز له المرور. إذا كان الضرر لم يكن في معدل الدرجة صفر، تظل القضية قائمة إلى أن يصدر حكم أو صلح بصددها. وإذا كان الذي اصطدم به لم يبلغ مستوى صفر من المسؤولية تجاه الأضرار التي وقعت على المجني عليه، يصبح مدان بما وقع على المجني عليه، ومسؤول عن تبعاته. وطبعا بما أنه سائق السيارة التي صدمت المجني عليه، لا يمكن أن تصل المسؤولية أبدا إلى الدرجة صفر، حتى ولو كان الحادث طارئ ومساره إجباري ولم يكن بوسع السائق تفاديه، لأنه عمليا، احتمالات مقدرته على التفادي لم تصل إلى درجة صفر، وبالتالي هو مسؤول جزئيا عن الخطأ الذي أدى إلى الأضرار التي لحقت بالمجني عليه كنتيجة حتمية للحادث.
وفي حوار مع صديق لي، عن شخص ثالث، تشاجر مع شخص رابع، كان لنا آراء حول أسباب المشاجرة، ولماذا تطورت إلى هذه الصورة المؤلمة، ولكنه كان مصرّا كعادته دوما على أن رأيه هو الأصوب والأرجح، وأن رأيي ليس أبعد ما يكون عن الصواب فحسب، بل قطع بعدم صحته، ولما استأت من ذلك، تحجج بأنه عرف أشخاص من اصدقاء هذا الشخص الثالث الذي نتحدث عنه، وبالتالي، هذا يعطي وزن لرأيه يطيح برأيي تماما، استغرب لما قلت له أنني سمعت ما يدعم رأيي من أقرباء هذا الشخص الثالث، وانتهيت إلى القول، بحدة، أن الموضوع لا يخرج عن اجترار القيل والقال حول الواقعة أو الحادث أو المشاجرة لتكوين رأيي ورأيك، وكلاهما يحتملان الصواب والخطأ.
ونحن ننسى سريعا أقوال عظيمة مثل
-رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وقائلها هو الإمام الشافعي
-الاختلاف في الاراء لا يفسد للود قضية، وقائلها هو أحمد لطفي السيد، وقيل ميخائيل نعيمة
-العبرة بالخواتيم، على قولة عمنا شكسبير
لهذا، الأميل للصواب، أو الفعل الصحيح، أن نتحدث وكأن رأيي هو الخطأ، الصواب فيه صفر، بل وقد يقول أحد، والشك فيه صفر ولكن هذا لا يصلح، فحتى اللانهائية تؤدي إلى الصفرية، والأجدر بنا، أن نكف عن تقديس ذواتنا ومعتقداتنا أو آرائنا إلى هذه الدرجة المجنونة، خاصة فيما لم نتحصل فيه على تخصص (يعني درجاتنا في السياسة أو القانون أو الفلسفة أو الطب أو علم النفس أو الاجتماع هي صفر، ولا أقصد بالطبع درجة علمية أو شهادة، بل درجة تحصيلك المعرفي، يبقى نسكت ولا نفتي، أو لو تكلمنا نقبل بكلام غيرنا وهذا أضعف الإيمان). ولكن نحن نتعامل وكأن الكلمات التي تخرج من أفواه الناس مثل الحجارة فوق رؤوسنا، حتى ولو ليس فيها إلا ما قد يصيب ولكن نقول أصاب، وكأنه أصابنا بالحصبة أو بعيار ناري. أنا عن نفسي، قد أكون أبعد ما يكون عن تطبيق هذا الكلام، خاصة وأنني سأدافع عما أقول بشدة، بل وأحيانا استعمل كلمات تظهر تحيزاتي بشكل واضح وفاضح. ولكن أحسب أن بي بعض إدراك بغبائي وقلة علمي، وأحاول أن أكون أفضل. فأنا على سبيل المثال، تحدثت من قبل مع بعض معتنقي نظرية الأرض المسطحة، وجها لوجه، ولم أكن لئيما ولا شككت فيهم هم أنفسهم، لأن عقولهم راجحة، بل والحجج الي لديهم راسخة، لا أؤيدها، ولكني أفهم لماذا قد تكون مصيبة، على سبيل المثال، فكرة أن الأفق هنا ينثني عنده حد الأرض، قد يكون صحيحا، ولكن حتى هذا قد يظهر لنا أن كل ما في الأمر، بتصور ما، أن هناك منخفضا عند هذه الدرجة لا يعلو بعده أي علو أو تل. بالطبع أنا أعي أن تقلب الليل والنهار هو من دوران الأرض، ولكن مركزية الأرض نفسها ظلت لأمد طويل، تحصل مجموعة من التراكمات المؤيدة لها من قبل العلماء والفلاسفة.
هنا تجدين حوار شيق فيما يشبه ما نتكلم عنه
التعليقات