عرفت ذلك الشخص لسنوات طويلة، إنه وسيم ومحبوب من الجميع ومشهور في مجال عمله، يمتلك كاريزما قوية تجذب حوله الناس دائما، إنه يبدو كقمر يتألق وسط سماء مرصعة بالنجوم.

لم تكن علاقتنا أكثر من متابعة أخبار بعضنا من بعيد، ولم تكن لقاءاتنا تتعدى المصافحة.

ذات يوم حدث ما لم يكن بالحسبان، حادث غير متوقع جمع بيننا نحن الاثنين، تقلصت المسافة بيننا، حتى صرنا نتبادل الحديث عن تفاصيل حياتنا اليومية.

كان الأمر لطيفًا حقا في البداية، أكاد لا أصدق أن هذا القمر قد تدلى ليختارني دونًا عن آلافٍ يتطلعون إليه.

حتى أتى يوم باغتتني فيه الحقيقة التي لم أحسب لها حسابًا، اكتشفتُ بوضوح أنه يحمل في جعبته أمراض نفسية غريبة وغير مألوفة بالنسبة لي، تجعل تعامله مع المقربين كضرب من الجنون، حيث إن لم يطيعوه ويمتثلوا لرغباته ينفيهم من حياته وكأن لم يكن لهم وجود يوما ما، ثم يستكمل حياته العادية كأن شيئا لم يكن.

♦♦♦

هل حدث معك موقف مشابه ذات يوم؟ إن لم يحدث فأنت محظوظ، وأما إن حدث فلا تبتئس ولا تحزن لفقدان مثل هؤلاء الأشخاص، ففقدانهم مكسب لك وليس خسارة كما كنت تتخيل؛ فقد نجوت من أن يجروك إلى الحضيض جرًّا.

حسنًا، ما أريد قوله الآن هو الحفاظ على مسافة آمنة، ألا تقترب أكثر من اللازم.

تأمل معي.. ما يحافظ على السيارات من الاصطدام والحوادث، هو ترك مسافة آمنة بين كل سيارة والأخرى، ما يحفظ الأرض من الاحتراق أو التجمد هو المسافة الآمنة بينها وبين الشمس. كذلك العلاقات، المسافة الآمنة تحافظ على استمرارية العلاقات بشكل صحي.

بالتأكيد المسافة الآمنة لا تعني البرود أو التجاهل، وإنما الحفاظ على العلاقات متوازنة، الأخذ والعطاء بشكل متبادل، أن يبذل كل من الطرفين جهدًا في سبيل إنجاح العلاقة واستمراريتها.

لا تبتعد كثيرا فتتجمد، ولا تقترب كثيرا فتحترق.

كذلك لا تنبهر بالبريق، ولا تنجرف خلف الجاذبية، ليس كل ما يلمع ذهبًا.

هناك مقولة أعجبتني لشمس التبريزي: لا تقترب أبدا حين تنبهر، اقترب فقط حين تطمئن.

نعم هذا صحيح، فالإبهار سهل على الجميع، لكنه مثل وهج الشمعة، يحرق من اقترب منه، وسرعان ما يتلاشى لتبدو حقيقته البشعة كالفتيل المحترق.

أما الاطمئنان فهو كالثقة، يُبنى شيئًا فشيئًا، مع مرور الوقت وتعاقب المواقف وتوثيق معرفة كل من الطرفين بالآخر.

فعندما تقترب مع الاطمئنان، فأنت تقترب بخطوات صغيرة، تسمح لك بالرؤية جيدًا والتفكير بوضوح لتقترب خطوة تلو أخرى، أو تتراجع للخلف خطوة تلو أخرى.